تعليق جريدة الأحداث على مسرحية "عطلة السيد الوالي" عند صدورها عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ENAG

 

عطلة السيد الوالي’’... لن يفلح المفسدون مهما بلغوا فلتتعظ يا ابن آدم 

                                                                                                 صبرينة كركوبة

ما يزال الكاتب عبد الله خمار يشرح استفحال الفساد في المجتمعات وعقول البشر البعيدة كل البعد عن مظاهر القيم والانضباط والتحضر والأخلاق، حيث نجده يعالج في إصداراته المسرحية والأدبية الصادرة مؤخرا عن

المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، هذه الآفة التي باتت تشكل خطرا على تنمية وازدهار المجتمعات والأوطان، وتسربت حتى في الميادين الحساسة التي ما كانت لتطالها، لولا وجود أشخاص يهيئون لها البيئة المناسبة، وهو ما ينعكس سلبا على معيشة السكان وواقعهم ويجر الأوطان إلى ما لا يحمد عقباه.

وفي هذا الإصدار يناقش الكاتب في مولوده المسرحي ‘’عطلة السيد الوالي’’ الفساد الذي يتوغل ويتغلغل في عقول الحاشية المحيطة بصناع القرار في الوطن، وذلك من خلال وضع تلك العينة الصغيرة المتمثلة في’’الولاية’’ تحت المجهر، إذ يسرد لنا تردي الأوضاع وسوء الإدارة في تسيير شؤون منطقة والفشل في حل مشاكلها والتحكم فيها، وهذا طبعا لأن هناك فئة من الخارجين عن القانون، تنعدم فيهم الضمائر، وأنفسهم البشرية أمارة بالسوء تنصاع وراء مصالحها، وتغريها المادة، أين يبنون سعادتهم على حساب تعاسة الآلاف إن لم أقل الملايين من الأشخاص. تتفاعل شخصيات العمل فيما بينها، مقدمة صورة مبسطة لواقع مر معاش في كل قطر من هذا الوطن، إذ نجد الوالي مختار عبد الحميد الوافي، مستشار الوالي صالح بومعروف، رئيس ديوان الوالي عامر مخزوم، أنيسة سكرتيرة الوالي الجديدة، حفيظة سكرتيرة الوالي القديمة، رئيس مصلحة الميزانية متواطئ مع رئيس ديوان الوالي: محجوب بو الأنوار، نسيمة: فنانة ومطربة، بلقاسم فاضل: محاسب بلدية حي المنصورين، سليم: ابن الوالي، الطفل طارق، الدكتور محمود دلال خير، المفتش، كروان: مغنية وراقصة، علجية: امرأة مطلقة، حنفي: مقاول يعتمد على الرشوة...

يسافر بنا الكاتب من خلال النص المسرحي ‘’عطلة السيد الوالي’’ وعبر 231 صفحة توزعت على ثلاثة فصول لقصة رجل نزيه وضعه القدر مسؤولا عن ولاية كاملة تضم عددا من الأحياء، لكن المشكلة الفعلية وأصل العلة تكمن في من حوله، من الذين يحملون شعار النزاهة والمصداقية والضمير ولا يمتون لأي منها بصلة، على رأسهم رئيس ديوانه عامر مخزوم الذي يستغل فرصة مرض أمين عام الولاية، ليستغل ثقة الوالي ويسير مصالح المقاولين الراشين وأبرزهم حنفي الذي يعتمد على الرشوة في الحصول على المشاريع، عامر مخزوم الخبيث اللئيم يسعى جاهدا لتزيين صورة المنطقة للوالي، حتى يحس الأخير أن الأمور تسير على أحسن حال، محاولا إبعاده عن كل المشاكل التي تعانيها الأحياء وحتى السكان... ونيته في ذلك سحب البساط من تحت أرجله وتوريطه، بانتهاج أبخس الوسائل للوصول إلى أهدافه الجهنمية المبطنة.

يبدأ أصل الحكاية عندما تقلدت أنيسة سكرتارية الولاية، لتصبح السكرتيرة الجديدة للوالي، بعدما رحلت السكرتيرة التي قبلها حفيظة وهي قريبة رئيس الديوان وشريكته في بعض المسائل، لتكون هذه الوافدة الجديدة، الشخص الذي سخره الله لفتح أعين الوالي على الحقيقة رغم تهديدات رئيس الديوان لها بأن تكون مطيعة، الفتاة تكشف للوالي على انفراد، معاناة بعض الأحياء ومنهم حي المحقورين -المنصورين- الذي يعرف ترديا مرعبا في الأوضاع الاجتماعية كانتشار الجرائم، وارتفاع الأسعار ونقص المرافق...، مقدمة له الجريدة التي تنقل مشاكل الحي والتي تنتقد الوالي في تسييره، غير آبهة لتبعات صراحتها ونزاهتها، ليدرك الوالي أخيرا المكيدة التي تحاك ضده بعدما كان منوما وغافلا عن كل مستجدات المدينة التي عين مسؤولا عنها مدة عامين، حينها فقط يقرر الوالي تمضية عطلته في هذا الحي، بعدما كان سيمضيها في تونس، حيث يرافقه إبنه الذي يعاني الاكتئاب وصعوبة في الكلام، ومستشاره الذي سبق وأن أغراه رئيس الديوان ببطاقة سفر لإحدى الدول الأوروبية لتمضية عطلته هناك. وفي إحدى بيوت عمال الولاية المدعو حميدو الذي يعمل طبالا في ‘’كباريه’’، يمضي الوالي رفقة مستشاره وابنه طارق المريض أياما فيه، على أساس أنهما صحافيان جاءا لعمل تحقيقات حول مشاكل الحي، وفي هذا البيت، يعيشان مغامرات طويلة، حيث يتعرضان لحوادث غريبة وخطيرة، زادتهم يقينا أن الفساد عم واستفحل، فمثلا شخصية رابح المحتال والمنتحل صفة ابن خالة الوالي والمدعي أن الأخير في عطلة في جزيرة في المحيط الهادي، بهدف النصب عليهم، والراقصة في كباريه ‘’ليالي الأنس’’ كروان التي تتهجم على البيت مخمورة بحثا عن حميدو صاحب المنزل والمسافر لتونس، ويتعرضان للسرقة من قبل لصين، واحد منهما يسرق لحاجته في إجراء عملية لابنه...، كما يخرج الوالي ومستشاره لشوارع الحي ويقفان عند النقائص والأزمات التي تتخبط فيها، وتزيده التجربة التعرف على رؤوس الفساد المتواطئة، وكلها دلائل تزيده يقينا أن الأمور أخطر مما هو متصور، حيث يرى انتشار الجريمة، ورداءة التسيير، وارتفاع الأسعار، الطرقات محفورة، القاذورات منتشرة في كل مكان، الأبنية مهترئة، انعدام الأمن، وغياب المرافق الثقافية... وغيرها، كما يطلع على الصحف التي تهاجمه وتنتقده وتحمله مسؤولية ما يجري كله.

وفي مهامه أيضا يتعرف على أشخاص نزهاء يحبون الخير والفلاح وهمهم الوحيد إصلاح المنطقة وإخراجها من القوقعة التي وجدت فيها كالكاتب محجوب بو الأنوار الذي يشرح له الواقع، مؤكدا له أن كل هذه المشاكل راجعة لانعدام المرافق الثقافية والفنية ‘’مكتبة، مسرح، سينما، معهد موسيقي، مرسم’’، التي تفك العزلة عن السكان بمن فيهم الأطفال وتطور مواهبهم وتنمي فيهم روح الإبداع، وهو ما عمد الوالي على تحقيقه، بمجرد رجوعه لاستئناف مهامه في الولاية. في شق آخر من الحكاية يرافق ابن الوالي سليم طفلا إسمه طارق، وبالتواصل واللعب معه، يخرج من حالة الاكتئاب ويتخلص من صعوبة الكلام، خاصة أن أم طارق نسيمة تغمره بالحنان وتصطحبه معها لقضاء العطلة في تيبازة، حينها يتعلق الطفل بها وتدخل نسيمة قلب الوالي مختار الذي يحبها ويعرض عليها الزواج وتوافق.

تنتهي الحكاية بأخذ كل ذي حق حقه، فالمفسد ينال جزاءه والصالح ينصره الله، حيث يكتشف المفتش الذي كلف بالتحقيق في قضايا الفساد، المكيدة التي كانت ستورط الوالي والذي خاطها رئيس الديوان وبعض أتباعه بمن فيهم المقاولين المرتشين، ولعل ما ينصر الوالي التسجيل الذي سجلته السكرتيرة والذي يدين مباشرة رئيس الديوان والمقاول حنفي، وهو ما شفع للوالي ومستشاره، فالسكرتيرة تعين رئيسة الديوان، ونسيمة أم طارق تعين عضوا في لجنة المسارح مع محجوب بوالأنوار، ليعطي الوالي نفسا جديدا للولاية، مكونة من أشخاص يتصفون بالنزاهة والجد، وحب العمل لوضعية ولاية أفضل وأحسن.

الأحد 12 أفريل 2015                                                                                                              صبرينة كركوبة