قراءة في رواية "حب في قاعة التحرير"

                                                  * عبد الرحمن عزوق

Une lecture du roman "Passion Dans La Salle De Rédaction"

                                                        Abderrahmane Azzoug

قدم الأستاذ عبد الرحمن عزوق هذه القراءة أمام جمهور جمعية الجاحظية بالعاصمة يوم 29 مارس 2006

نشر الروائي الجزائري عبد الله خمار روايته الجديدة على موقعه في الأنترنت في خمس عشرة حلقة بدءا من 06 أكتوبر 2005 إلى 12 جانفي 2006 عنوانها: "حب في قاعة التحرير" تقع الرواية في 249 صفحة من الحجم الكبير، وتضم إهداءً موجها إلى الصحفيين الجزائريين والعرب وإلى صحافي العالم في القطاعين العام والخاص ممن يسعون كما قال وراء الحقيقة لإيصالها إلى الناس بكل مهنية واحتراف عرفانا بفضل الشهداء منهم وتقديرا لجهود الأحياء ويستثني من هذا الإهداء أصحاب الأقلام المأجورة التي تلمع صورة الاستعمار وتبرر الاحتلال وتمجد الديكتاتورية-  كما يضيف- وترسخ عبادة الشخصية وتتستر على الفساد وتدافع عن رموزه، وبعد الإهداء تبدأ فصول الرواية ونجد 15 ورقة أو عنوانا هي: أعداء الحب، سحر الحبر الأسود، الهاربة، معركة الحاويات، الحب والخيانة لا يلتقيان، بداية إعجاب، فيروسات الإنترنت، تحيا الديموقراطية، حرية الاختيار، أوجاع القلم الأزرق، الغابة، القطيعة، حوارات الأنترنت، هزات أرضية وعاطفية وأخيرا انتصار الحب.

زمان الرواية هو السنوات الأخيرة وبالذات أثناء زلزال بومرداس وغزو العراق عام 2003.

أما الهامش الجغرافي في الرواية فتجسده العاصمة.

وتعرض هذه الرواية بعض الصعوبات التي تواجه الصحفيين وبعض علاقاتهم فيما بينهم المهنية منها والعاطفية وحتى المنهجي والعقائدي.

وشخصيات الرواية أغلبهم من الصحفيين تتقدمهم "آسيا" صاحبة أسبوعية "الضياء" وابنتها "سماح". لكن ما يضيق أمامي في هذه الكلمة المتواضعة والسريعة هو الوقت الذي لا يسمح بالتعرض لكل أجزاء الرواية ولهذا فضلت أن أكتفي من القلادة بما يحيط العنق كما يقال مجتزئا منها ما أراه مناسبا للبنية المحورية للرواية منطلقا منها ومعبرا عنها.

واستطاع الكاتب أن يحقق لصوته المتفرد في الفن الروائي مكانة في صفوف الروائيين في بلادنا جعلته هذه الرواية والتي قبلها أحد الروائيين في السنوات الأخيرة المعبر عن تحولات هذا الفن السردي الصعب وعن المسارات التي تمكن من الإبحار فيها واستشراف لآفاقها المتعددة. من هنا ارتأيت أن أقدم قراءة متواضعة أولية لهذه الرواية الممتعة بعد أن امتدت بيني وبينها مسافة التلقي الأولي.

لم يكن الأدب الحقيقي والفن عموما في يوم من الأيام ترفا أحادي الجانب بل كان وسيظل فعلا مؤثرا يسهم في يقظة الناس وزيادة وعيهم بالأشياء التي تدور حولهم.

ذلك أن الأديب ابن بيئته، والمعبر عن واقعه وهموم المجتمع الذي يعيشه ولهذا كان أمامه أن يختار مواقفه ومسار عمله وتوجهه فالأدب والفن هموما ليس تسلية تغيب عن الحقائق وتتلمس درب الكسل الذي يتجاهل واقع الأشياء. ومن هنا كان الأدب في بلادنا وفي البلاد العربية عامة جزءا من حركة ثورتها، جزءا من واقع ساخن وتحديات تسعى للهيمنة عليها بل واقتطاع أجزاء من أراضيها وسلبها ثرواتها والعمل على كسر معاني القوة الفاعلة لديها وبالتالي إعادة الوجود الأجنبي والإبقاء على التخلف. الأديب الجزائري والعربي كان على دراية تامة بكل ما جرى و يجري وموقفه ليس موقف المتفرج الذي ينتظر ويتأمل طويلا. إن مهمته الآن إزاء هذه التحديات بحاجة إلى رؤى جديدة إلى مسار فضائي جاد يؤكد فعل الأدب وإمكاناته الخلافة  في أن يكون ويتفاعل ويغير ويختط دروب العمل الخلاق من أجل فن مؤثر يعبئ النفوس بالحركة الفاعلة وزخم الدفاع عن الإنسان وكرامته وقيمه وترابه. إن الأدب في بلادنا والبلاد العربية عموما مدعو الآن لأن يبني آفاقه وحقائقه ضمن صوت مكافح، صوت يرتقي بالأشياء ويحقق للأدب مجده وقدرته الرقابة على العطاء أبدا.

والرواية التي أحاول التعرض إلى جزء منها تثير لديك الدهشة لتوافرها على عناصر الشرط الفني، تجعلك مبهورا ومتسائلا وتمتص مشاعرك للالتصاق بها وتدخلك في ثناياها لتطرح أمامك سحرها وبهجتها وقوتها لتتغنى بها ثم تصمت معجبا بصانعها وصناعتها حينئذ يمكنك القول بعد أن تحقق هذه الأمور بأنها تستحق الإعجاب والتقدير.

هذه الرواية مثل أي مادة فنية لها شروطها الفنية وتستطيع أن تقرأها ، أن تستحوذ على إعجابك لها لما ارتقت إلى هذه المصاف وهوي قادرة على انتزاع هدوئك لتدخلك في أجوائها تشارك في قضيتها من خلال شدتها وارتخائها ومن خلال تساؤلاتها وإجاباتها وتستطيع أن تمنحك البديل تحول لك الواقع من حياة تعيش مفرداتها إلى حياة أخرى تطمح لأن تعيش في شمولياتها تحوله إلى مكان للصراع ، التنافس مكان للإتفاق والبهجة مكان للحزن والألم تستطيع أن تمتعك للضحك وفي غمرة ضحكك تسدد لك ضربتها لتخلق لك حالة جديدة غير ما كنت تعانيه  هكذا هي ... حيث تكون هذه الرواية الممتعة، شخصياتها يحملون ثقلا كبيرا ويفرشون أمامك تطلعاتهم ومخاوفهم ومحبتهم وضعفهم وقوتهم بغير مقابل.

وتراوحت كتابة هذه الرواية بين استخدام الضمائر مما يوحي برغبة السارد في الإحاطة بالعالم الذي يقدمه من مختلف جوانبه وعبر قنوات متعددة تسمح لها بتسبب الأشياء وفسح المجال أمام التلقي للمشاركة في رسم العالم المقدم وفق رؤيته الخاصة، وهذه العملية هي إحدى سمات السرد الحداثي للمشاركة في رسم العالم المقدم وفق رؤيته لخاصة، لكن يبقى مع ذلك ضمير المتكلم يمتلك شرعية الإمتداد حتى في الضمير الغائب والمخاطب لما لهذا الضمير المتكلم من قوة الإلتحام مع الذات الساردة من جهة، وتلك الأخرى المكتفية ورائها ولا تسعى لكشف عن نفسها إلا انطلاقا من رؤيتها للعالم الذي سمحت لشبيهتها بتقديمه من جهة أخرى .

إن الضمير المتكلم الحاضر حتى في غيابه في هذه الرواية يخفى ويظهر في آن واحد رغبة السارد في الإحاطة بعالم شخوصها عن طريق تأطير هذا العالم نفسه وفق رؤية ذاتية تجعل من المؤطر يخضع لخصوصية هذا التأطير ويندمج داخل إطاره العام كما يجعل من هذا العالم يأخذ طابعه الحميمية بالنسبة للمتلقي مما يسهل عليه عملية الإلتحام به وسبر أغواره، خصوصا وأن هذا العالم لا تنفرد فيه الذات وحدها بالتعبير وإنما تفسح المجال للآخر للإعلان عن نفسه بالشكل الذي يريد.

يتجلى هذا الأمر في كون عالم السرد ينطلق في هذه الرواية وهي رواية يتناوب على عملية سردها ضمائر ثلاثة تعلن عن كينونتها نحويا وسرديا المؤطرة بالنزعة المخاطبية التي تتجاوز ما هو سردي في امتزاج محكم يشير إلى قدرة امتلاك الكاتب  لتقنيات الكتابة الروائية وسيطرته على لعبة استخدامها بحيث لا يكاد القارئ يحس بهذا التناوب إلا عن طريق إحساسه بتغير الشخصية المقدمة للعالم المحيط بها وهو عالم داخلي يرتكز على تشريح للأحاسيس.

واللافت للنظر في هذه الراوية، إضافة إلى كثرة المفاجئات والاحتمالات هو الجهد المبذول في بناء القصة وتوليد منها حكايات متداخلة ومحافظة على استقلاليتها وتداخل الأحداث والاسترجاعات وتوظيف مختلف الأجناس الأدبية من شعر إلى حكاية إلى أوبريت وحتى الموسيقى، ومنافسة الشخوص للراوي في إبراز الحقيقة من زوايا متباينة وتشخيص اللغات الاجتماعية والفردية أدبيا، وإضفاء البعد التخييلي على مقتضيات الواقع الملموس وتنامي الحوارات والذكريات وانتعاش تأويلية اليومي وتمتين الترابط الذي يبين المجهود المبذول على مستوى القصة والبناء العام، أي علاقة الفصل الأول أو الورقة الأولى بالفصول الموالية، واتسامها باتسام حكائي ولغوي خاص، وجريان الأحداث المتسمة بأثر واقعي.

ونلاحظ، أيضا أن المفترق الصعب التي وقفت على مشارفه الرواية يعتبر واحداً من أكثر المواضيع حرارة، بل وخطورة في الحقل الثقافي، كما نلاحظ، تعدد محاولة الراوي للخروج بالرواية المكتوبة باللغة العربية نحو فجر جديد، يتيح لهذا الجنس الأدبي الشاق فرصة تمثيل هذه الفترة التي نعيشها.

والرواية حسب هذا النص السردي الممتع حوار دائم مع الأشياء وحوار مشحون بقيم أصيلة تمتاز بالتشابك حينا، وبالعمق والتعقيد حينا آخر، كما قام الكاتب بدور تشكيل هذا البناء الداخلي بواسطة ربط الأطراف المتوازنة والمتقاطعة والمتضادة، أيضا، في هذا النص السردي.

وعمل الكاتب على فحص التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلادنا التي حصلت في بنية النص وتشكيلها وعلاقتها بالآخر.

ومثل هذا العمل الفني الرائع يمكن أن ينتج مشاريع حوار في إمكانها أن تقول شيئا مهما.

ضمن الورقة الأولى أو الفصل الأول، يفضل الكاتب أن تكون انطلاقته من محطة النهاية، وهي قاعة التحرير برئاسة "آسيا" صاحبة جريدة "الضياء" وبعلاقة عاطفية هادئة بين عدة أطراف ومن هنا جاء العنوان. وفهم الكاتب طبيعة التركيبة الاجتماعية التي تتحرك فيها روايته هو السبب الأساسي الذي قام عليه نجاحها ومكنه من التنبؤ بخطوط ومسارات الشخصيات وبمسارات الأحداث التي تتحدد اتجاهاتها على ضوء تحالفات وصراع القوى الفاعلة والمؤثرة في الرواية.

أما في ما يخص لغة الكاتب فإنني أقر أن لغته خصبة العطاء وقادرة على تحقيق أدب سردي ويمتلك الكاتب نفسا قويا مع صفاء التعبير ونقاء الأسلوب.

ويكفي أن روايته السابقة قد أكدت تورطه في مجالين يعتبر اقتحامهما مغامرة فمرحبا في نادي المتورطين في الكتابة والنشر.

وختاما لهذه الكلمة المتواضعة استخلص أن هذه الرواية قد شكلت بالفعل، إضافة جديدة للفن الروائي في بلادنا، وفسحت المجال واسعا لبزوغ روايات أخرى جديدة شارك بها الكاتب المبدع عبد الله خمار في صياغة روائع هذا الفن السردي الصعب الذي نجده في هذه الرواية والرواية السابقة "جرس الدخول إلى الحصة" والسلام عليكم.

لقراءة فصول الرواية كاملة انقر على الرابط الآتي: حبٌّ في قاعة التحرير