الراهن الجزائري روائيا

"جرس الدخول إلى الحصة" نموذجا

                          * لحسن احمامة

Les romans Algeriens actuels

"la Cloche d’entrée en classe" pour modèle

                            Lahssan Ahmamah

       بدأ الكاتب القسم الأول من مقاله بالحديث عن تطور الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية بعد هيمنة الرواية المكتوبة بالفرنسية في السابق.  ولكي يعطي نموذجا عن هذا التطور تحدث في الجزء الأول من مقاله عن رواية دم الغزال للروائي مرزاق بقطاش ثم انتقل إلى الحديث عن رواية "جرس الدخول إلى الحصة" في الجزء الثاني الذي نقدمه فيما يلي:

"إذا كانت دم الغزال تنزع إلى التجريب في محاولة النظر إلى الراهن الجزائري من الداخل، فإن جرس الدخول إلى الحصة لعبد الله خمار، تميل إلى الكتابة الروائية التقليدية لبناء متخيلها الحكائي، خاصة في خطها الزمني التصاعدي، وفي نهايتها السعيدة. ففي مجملها تحكي الرواية عن سنة دراسية، ما بين 1972 و1973. يروي الأحداث راو متماثل القصة، عابد إمام، بما هو شخصية محورية وذات وجهة نظر خارجية، تميل إلى الذاتية من جانبه أي في سرد سيرته، وإلى الموضوعية من جانب رؤيته إلى الشخصيات الأخرى، من حيث هي شخصيات ذات أصوات متنوعة، مما يجعل النص رواية متعددة الأصوات. كل صوت له موقفه وإيديولوجيته الخاصة باعتباره ممثلا لفئة خاصة. ولعل تعدد الأصوات هذا يحيل على صراع الأفكار والثقافات والحضارات، والعرق كذلك.

    ولعل هذه الموضوعية تبرز من خلال موثوقية الراوي بوصفها تقنية التمسها الراوي، بهدف مصداقية ما يرويه. تجلو هذه الوثوقية ذاتها من خلال "مدخل إلى الرواية" الذي يصف فيه الراوي عابد إمام ظروف وملابسات ودوافع التأليف: "رجاني السيد عبد المجيد ق،  وهو زميل لي متخرج من قسم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن أساعده في بحثه لنيل شهادة الماجستر وموضوعه: "دراسة ميدانية للمدرسة الجزائرية"(ص.7.) غير أن الظروف تحول دون ذلك. وبعد مدة طويلة، وبعد أن يحال إمام على التقاعد تقع المخطوطة بين يديه، ويقرر نشر البحث في شكل رواية، فلعل "فيها فائدة لباحثين آخرين، أو لزملاء في المهنة... (ص.7.) هذا القرار يأتي بعد حوالي ثلاثين سنة، إلا أن ما يثير الانتباه هو أن العنوان الفرعي يشي بغير ذلك "أوراق مدرسية وعاطفية". وإذن، فالبحث/ الرواية مشكل من شقين: شق مرتبط بمجال التعليم في الجزائر، وشق مرتبط بالمجال العاطفي، يمنح بعدا تشويقيا للنص، ينفي عنه صفة التقريرية. من هنا نجدنا أمام سيرة ذاتية تخييلية لعابد إمام باعتبارها الحكاية الإطار، فيما تمثل الحكايات الأخرى توسيعا لها. حكاية وجدي / فايزة، حكاية جاك / جانين.

    ولأن العنوان الرئيسي جرس الدخول إلى الحصة يمثل عتبة الولوج إلى عالم النص، باعتباره إحالة محددة على موضوعة التعليم، يدعمها في ذلك عنوان البحث الميداني "دراسة ميدانية للمدرسة الجزائرية"، تم تقسيم فصول الرواية بناء على تقسيم فصول السنة الدراسية، فإننا نعتقد أن أهم موضوعة في النص هي طبيعة التعليم في الجزائر، وطبيعة العلاقات القائمة بين القائمين على هذا القطاع الحيوي. أي الخلافات الحادة بين بعض المدرسين. وهنا تأتي المدرسة كفضاء لهذه الصراعات الإيديولوجية، والثقافية والعرقية، من حيث هي صراعات لا تخدم التعليم كرسالة إنسانية وحضارية، بقدر ما تعمق الهوة وتحرض على العنف. ولعل السردي ومقادري خير ممثلين للعنف: "إن مقادري وأمثاله يعتبرون أنفسهم حماة اللغة، ويرفضون إدخال مفردات جديدة، وانفتاحها على اللغات الأخرى." (ص.65.) ويضيف الراوي: "كان عبد القادر السردي يستغل الحصص الأولى لمعرفة ميول التلاميذ وآرائهم، لاختيار من لديهم استعداد للتأطير والتنظيم... ظل في مصر حيث جندته جماعة التكفير والهجرة، وشارك في التدريب السري على مختلف أنواع الأسلحة." ص.25.) غير أن تعصب مقادري والسردي لا يقل حدة عن تعصب حكيم بوعلام، باعتباره مشايعا للغة الفرنسية: "لعل ظروف تكوين كل من عبد الرحمن السردي وحكيم بوعلام هي التي جعلت منهما طرفي نقيض رغم نقاط التشابه الكثيرة بينهما، سنهما متقاربة، وكلاهما عنيف ومستبد برأيه، لكن أحدهما رزين هادئ يعمل من وراء ستار، والثاني عصبي المزاج. السردي تكون في المدرسة الجزائرية، بينما تخرج بوعلام من المدرسة الفرنسية... كلاهما تلقفته مجموعة متطرفة. الأول دينية متعصبة، والثاني عنصرية متعصبة. الأول يرى أن تخلي الناس عن الدين هو سبب الانحطاط، والثاني يرى أن التمسك بالدين هو سبب التخلف. (ص.75- 76.) إضافة إلى هذا التعصب يمثل جاك النظرة الضيقة الشوفينية للجزائريين. يقول جاك لجانين: "إن أول صفة يمتازون بها هي الكسل تم الثرثرة والزهو الفارغ فهم متبجحون ومغرورون ومنافقون، يفعلون في السر ما ينتقدونه في العلن، وهم فوق ذلك مرتشون، وتستطيعين بهدية صغيرة الحصول على ما تريدين." (ص.170.)

    على أن من يمثل التسامح والوطنية وتطوير التعليم وفق مناهج متوازنة تهتم بالعقل وتشجع الفكر النقدي إلى جانب اهتمامها بالجسم والوجدان هو الهادي العروسي أستاذ مادة التاريخ. يقول العروسي: "من وضع الموت نصب عينيه تغلب على الغولين المفترسين: الخوف والطمع." (ص.231.) ولعل هذا النوع من الرجال هو من يحلم به الكاتب. يقول كاظم أصلان، أستاذ الرياضيات العراقي، في رسالة بعثها إلى الراوي: "من  حسن حظ الثانوية وجود آكلي والعروسي فيها، فكل منهما يكمل الآخر. والجزائر بحاجة إلى رجال من هذا النوع ليبنوها ويوحدوها." (ص.215.) غير أن نهاية آكلي الذي سيصاب بالشلل النصفي، ونهاية الهادي العروسي المأساوية، دلالة على فشل كل محاولة للتغيير. وما يبقى هو الرهان على الجيل الجديد: "من هؤلاء ستكون النخب الجديدة، فهل تتاح لها مناهج تمكنها من مواجهة تحديات العصر؟ مناهج تثير التفكير وتشجع الإبداع وتغرس الثقة بالنفس والاعتماد على الذات. (ص.259.) وقبل ذلك يقول الراوي: "لمحت مقادري وحكيم يسيران في اتجاهين متعاكسين. كل منهما يحلم بجزائر على مقاسه، ملونة بلونه. وكلاهما ما زال يجهل أن الجزائر أوسع من أن تكون على مقاسه أو على مقاس غيره." (ص. 258.)

    وإذا كان الراوي مرزاق بقطاش في دم الغزال يرى أن أصل الشر هو السياسة، بما تجلبه من محسوبية وزبونية، وكل ما تمجه الأخلاق، فإن الراوي عابد إمام في جرس الدخول إلى الحصة يرى أن أصل الشر هو الصراعات الثقافية والعرقية والإيديولوجية لما تحمله من تناحر. وكذلك بعض المناهج المستغلقة، والنزاعات المتطرفة التي تنبذ قيمة العقل. يقول العروسي: "الدين نور الروح والقلب، مثلما كان العلم نور العقل... إن الأوربيين في عصر النهضة لم يحاربوا الدين ولم يعتبروه سبب التخلف، بل هاجموا المتاجرين به، ووجهوا اهتمامهم إلى تنوير العقل. وبذلك أخذ الدين مكانه الطبيعي، وافتضح أمر المتاجرين به (ص.84.) ومن ثمة، فباب التغيير       والتطور والتقدم هو التحاور والاتفاق. يقول الراوي: "أليس باستطاعتنا أن نتحاور ونتفق لنمكنهم من السير في طريق التقدم والمعاصرة مكملين مسيرة الرواد الجزائريين العرب في كافة المجالات العلمية والأدبية والفنية؟ ليس لدينا خيار آخر، وإلا فسيتجاوزنا العصر، ونظل على هامشه، منفعلين لا فاعلين نلتقط فتات الآخرين." (ص.259.)"

                                            عن "الهوية والتخييل في الرواية الجزائرية"

لقراءة فصول الرواية كاملة انقر على الرابط الآتي:جرس الدّخول إلى الحصّة

* لحسن حمامة: ناقد ومترجم له عدة أعمال وهي: التخييل القصصي: الشعرية المعاصرة، تأليف ريمون شلوميت ـ كنعان، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1995. واللسانيات والرواية، تأليف: روجر فاولر، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1997. وشعرية الفضاء الروائي، تأليف: كيسنر، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2003. والقارئ وسياقات النص، منشورات دار الثقافة، الدار البيضاء، 2007.

** "الهوية والتخييل في الرواية الجزائرية. قراءات مغربية". الناشر: رابطة أهل القلم r-a-k@maktoob.

منشورات مديرية الثقافة بولاية سطيف 2008. والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات نقدية لعدد من الكتاب المغاربة اهتمت بدراسة بعض الروايات لعدد من الروائيين الجزائريين وهم على التوالي حسب ترتيب المقالات الواردة عنهم في الكتاب:

"واسيني الأعرج، بشير مفتي، جيلالي خلاص، عبد الوهاب بن منصور، حسيبة موساوي، محمد زتيلي، عمارة لخوص، إبراهيم سعدي، نينا بوراوي،عز الدين جلاوجي، محمد ساري، سعيد مقدم، شهرزاد زاغز، رشيدة خوازم، محمد ديب، محمد مفلاح، أحلام مستغانمي، ياسمينة صالح، كمال بركاني، الحبيب السايح، رشيد بوجدرة، الطاهر وطار، مرزاق بقطاش، عبد الله خمّار، ياسمينة خضرا، عزيز شواقي".