تحية للمسرح الوطني الجزائري

كان يتنازعني شعوران وأنا داخل إلى قاعة العرض في المسرح الوطني الجزائري لمشاهدة مسرحية "رانا جيناك":

أولا شعور بالفرح لأن المسرحية مأخوذة من مسرحية "عطلة السيد الوالي" التي كتبتها سنة 2011، وهذا طبيعي فحلم كل كاتب مسرحي أن يرى الحياة تدب في الشخوص التي خطها على الورق. وثانيا شعور بالخوف من أن يكون المخرج قد شوه المسرحية حين أعدها باللهجة الدارجة، وذلك طبيعي أيضا لأن بعض المخرجين يشوهون الأعمال الأدبية ويمسخونها حين يقتبسون منها بحيث لا تصل إلى المشاهد رسائل الكاتب ولا الأهداف المنشودة منها. وما زاد من قلقي أن شخصيات المسرحية المكتوبة تفوق العشرين وإنتاجها يحتاج إلى ميزانية ضخمة لإنجاز الملابس والديكور.

كنت حريصا ـ قبل بداية العرض ـ على المقارنة بين النص الأصلي  وبين ما يجري على المسرح وكنت متوترا وقلقا وخائفا من اكتشاف أي تشويه أو تحريف في النص. تلاشى الشعوران فجأة حين بدأ العرض وحل محلهما شعور بالمتعة الخالصة وأنا أرى خمس شابات وأربع شبان بملابس بسيطة متشابهة يتحركون على المسرح بخفة ورشاقة يمثلون ببراعة ويغنون بأصوات بديعة ويرقصون بتناغم وانسجام من خلال ديكور يتمثل في بعض اللوحات الكبيرة تتحرك معهم على المسرح لتشكل أسوار المدينة تارة ومكتب الوالي تارة أخرى أو تشكل حي المحقورين.

كانوا ييشحنون مشاعرنا بالبهجة حين يمرحون، وبالغضب على المفسدين المحيطين بالوالي حين يكشفون لنا ألاعيبهم، وبالشفقة على الوالي حين نراه يثق بهم ثقة عمياء ويصدق ما يسمعه منهم، وبالحزن على أهالي حي المحقورين وبالتعاطف معهم والانتماء إليهم. كانت مشاعر الجمهور في القاعة تتناوب بين البهجة والخوف والغضب والإشفاق والحزن، يمسك بأوتارها هؤلاء الفنانون التسعة فتسمع ضحكات بل قهقهات الجمهور يتلوها صمت وحبس أنفاس ثم همهمات غضب تعقبها تصفيقات استحسان.

بهرني العرض كما بهر الحاضرين القلائل في القاعة. وعجبنا كيف لا تمتلئ القاعة بمثل هذا العرض الرائع. وفيما يخصني لم أعد أهتم بما أخذه المخرج من النص وبما ترك. تمتعت بفرجة ذكرتني بعروض المسرحيات الغنائية في برودواي ولندن كما ذكرتني بالعصر الذهبي للمسرح الوطني في أواخر الستينات الذي نرجو أن يعود حين كان مصطفى كاتب ومن معه يعرضون "دائرة الطباشير القوقازية" و"إبليس الأعور كاين منه". فشكرا للمسرح الوطني وشكرا للفنانين الذين يستحقون التقدير والتشجيع فايزة أمل، فؤاد زاهد، ياسين زايدي، سالي، سامية ساجي، رشيد بلعقيلي، سعاد وئيل وشهلة بوحال وفي طليعتهم المخرج إبراهيم شرقي وشكرا للعالم رشيدة المشرفة على الكوريغرافيا.                                                                             

عبد الله خمّار