الفصل الثاني

من مسرحية

 فندق الأحلام الوردية

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهد الأول

 

     [ تفتح الستارة على بهو الفندق وقد تجمع بعض الشباب والبنات الذين قدموا للاشتراك في المسابقة. خرجت من باب المكتب فتاة فتجمعوا حولها يسألونها]:

المتسابقة الأولى: عماذا سألك؟

المتسابقة الثانية: سألني عن مؤنث عندليب؟

المتسابقة الثالثة: وماذا قلت له؟

المتسابقة الثانية: عندليبة طبعا، ولكنه قال العندليب تقال للذكر والأنثى. ثم سألني عن جمع عندليب، قلت له: هل هو ذكر أم أنثى فإن كان ذكرا فجمعه عندليبون وإن كانت أنثى فجمعها عندليبات.

المتسابقة الأولى: وماذا قال؟

المتسابقة الثانية: خطأ، قال إن جمعها عنادل للذكر والأنثى. وأنت، عماذا سألك؟

المتسابقة الأولى: سألني: هل تعرفين الصرف؟

فسألته بالعملة الصعبة أو المحلية؟ [ تضحك الفتيات]

سألني[ تحاول أن تقلده]: "هل تعرفين جمع المذكر السالم والمؤنث السالم وجمع التكسير؟"

أجبته: "لا أحب التكسير لأني أكره العنف يا سيدي". طلب أن أجمع له كلمة "إنسان". أجبته: "جمع المذكر السالم: إنسانون، وجمع المؤنث السالم: إنسانات. طبعا نضيف الواو والنون للمذكر والألف والتاء للمؤنث. أليس هذا ما تعلمناه؟"

المتسابقة الثالثة: طبعا، وماذا قال؟

المتسابقة الأولى: قال لي [ تقلده أيضا]: لا يا آنسة. جمع إنسان: ناس.

المتسابقة الثالثة: كيف هذا؟ أنا أعرف أننا نضيف في الجمع ولا نحذف، يبدو أنه لا يعرف العربية.

المتسابقة الرابعة: وأنا طلب مني أن أجمع لفظة "امرأة".قلت له: امرآت. فأجابني: لا يا آنسة جمع امرأة هو نساء.

المتسابقة الأولى: وأنت عمّاذا سألك؟

المتسابقة الثالثة: سألني في النحو عن الفاعل في جملة ركب زيد وعمرو الحافلة؟ أجبته: الحافلة طبعا.

المتسابقة الثانية: لماذا الحافلة؟

المتسابقة الثالثة: لأنها هي التي تسير.

المتسابقة الأولى: ولكن زيد وعمرو هما اللذان ركباها.

المتسابقة الثالثة:  ليسا وحدهما فكل الناس يركبون الحافلة ولكنها هي التي تسير.

أحد المتسابقين الشباب: خطأ فالسائق هو الفاعل لأنه هو الذي يقود الحافلة.

المتسابقة الثانية: معه حق فالسائق هو الفاعل.

المتسابقة الثالثة: بل الحافلة.

[ تتعالى الأصوات وتطفأ الأضواء في قاعة الاستقبال.]

المشهد الثاني

[ تضاء أنوار المكتب حيث نرى عرفان وجوهرة وهي تجلس على كنبة بجانب المكتب بينما يجلس عرفان على كرسي المكتب في مواجهتها. يرتدي عرفان بدلة رمادية مقبولة وتحتها قميص أبيض دون ربطة عنق وحذاء أسود وشكله يختلف تماما عن شكله في بدلة الدهان بينما ترتدي جوهرة بدلة أنيقة حمراء مكونة من سترة وتنورة وحذاء أحمر وبجانبها حقيبة يد أنيقة حمراء، وتظهر تسريحة شعرها الجميلة والمتميزة.]

جوهرة [ تسأل]: أين صالح؟ لم أره في مكتبه.

عرفان: لديه محاضرة هامة في الجامعة. وقد منحته إجازة.

[تدخل راضية من باب السكرتير وهي تحمل في يدها استمارة. وهي فتاة حنطية البشرة، جميلة، في الرابعة والعشرين ترتدي ثوبا أزرق ولا تبدو عليها الأناقة ولكنها نظيفة ومقبولة. تقف جوهرة وتتجه إلى مكتب السكرتير].

عرفان [ يخاطب راضية]: "اجلسي يا آنسة. هل ملأت الاستمارة".

راضية: نعم ياسيدي.

[تناوله الاستمارة وتجلس على الكنبة التي كانت تجلس عليهل جوهرة بجانب المكتب في مواجهة عرفان.]

عرفان: أين تعملين يا آنسة؟

راضية: مراقبة في ثانوية أزهار التفاح؟

عرفان: هل لديك شهادة محاسبة؟

راضية: نعم يا سيدي.

عرفان: لماذا لم تعملي كمحاسبة؟ ألم تجدي عملا؟

راضية: وجدت الكثير يا سيدي، ولكنني كنت دائما خائفة من المسؤولية.

راضية: لماذا تخافين ما دمت أمينة؟

راضية: المحاسب الأمين يحتاج إلى مدير أمين ياسيدي، وأين أجد مثل هذا المدير؟ معظمهم يريد محاسبا يوقع على أوامر الصرف والفواتير وهو مغمض العينين.

عرفان: فهمت، ولماذا جئت ما دمت تخافين؟

راضية: قال لي الأستاذ أكرم وهو أحد تلاميذك القدامى بأنك أهل للثقة.

عرفان: قلت بأنك تعملين في ثانوية أزهار التفاح. هل يزرع التفاح في أرض الثانوية؟

راضية: بل كان يزرع فيها البصل قبل أن تبنى الثانوية.

عرفان: ومن سماها أزهار التفاح؟

راضية: مديرية التربية لأن منتخبي البلدية اختلفوا في تسميتها وكل واحد يريد أن يسميها باسم من منطقته.

عرفان: علا م اختلفوا؟

راضية: لا أدري يا سيدي فأنا لا أتدخل في السياسة.

عرفان: أليس هناك رأي للأساتذة؟

راضية: بالطبع يا سيدي هناك من الأساتذة من يسميها مزرعة البطاطا.

عرفان: البطاطا!

راضية: لأن المدير يزرع في أرضها البطاطا، وهناك من الأساتذة من يسميها مزرعة الدجاج.

عرفان [ متعجبا]: لماذا الدجاج؟

راضية: لأن المقتصد يربي فيها الدجاج.

عرفان: طيب. هل يستخدم منتوج الدجاج والبطاطا لتغذية التلاميذ؟

راضية: لا أدري يا سيدي. أنا لا أتحدث في السياسة.

عرفان: ألا يزور المفتشون هذه الثانوية؟

راضية: كثيرون يزورونها يا سيدي، هناك مفتش الرياضيات ومفتش العلوم، والاجتماعيات والأدب العربي واللغة الفرنسية والانكليزية ومفتشة الرسم ومفتش الرياضة، ومفتش الإدارة ومفتش التغذية المدرسية والتوجيه المدرسي وهم يأكلون الدجاج والبطاطا الذي تنتجه مزرعة الثانوية..

عرفان: وماذا يأكل التلاميذ؟

راضية: العدس يا سيدي فهو غذاء كامل يحمي من فقر الدم، وهو مع ذلك مصدر للطاقة والتدفئة في المهاجع ليلا.

عرفان: أليس هناك مدافئ؟

راضية: وما الداعي مادام العدس موجودا؟

عرفان: وما طبيعة عملك كمراقبة؟

راضية: أراقب كل شيء. أحمل الثانوية كلها على ظهري.

عرفان: وماذا يفعل المدير إذن؟

راضية: كان الله في عونه دائما اجتماعات، اجتماعات: المجالس الإدارية ومجالس الأقسام والمجالس التعليمية ومجلس التأديب واجتماعات في مديرية التربية وفي البلدية واستقبال المفتشين وأولياء التلاميذ والنشاطات البيداغوجية. ليس لديه وقت لحل مشاكل المدرسة.

عرفان: وماذا يفعلون في هذه الاجتماعات؟

راضية: يدرسون الأوراق التي ترسلها الوزارة والمديرية ويشكلون لجانا ثم يقرؤون تقارير هذه اللجان.

عرفان: قلت بأنك تعملين مراقبة عامة.

راضية: لا ياسيدي مراقبة عادية.

عرفان: ماذا تراقبين؟

راضية: قلت لك أراقب كل شيء. التلاميذ والأساتذة والعمال. أسجل حضورهم وغيابهم وأعلم المراقبة العامة. وكما قال الشاعر: "من راقب الناس مات هما".

عرفان: وماذا تعمل المراقبة العامة إذاً؟

راضية: تعلم المدير بما أعلمتها.

عرفان: وهل تراقبين الناظر أيضا؟

راضية: إذا طلب مني المدير ذلك أراقبه وأسجل متى يحضر ومتى يغادر ومن يقابل وماذا يقول عن المدير.

عرفان: والمقتصد؟

راضية: المقتصد والمدير كل منهما يراقب الآخر، وأنا لا أنحاز لأحدهما لأني لا أتدخل في السياسة وأقف على الحياد.

عرفان: سأسألك الآن سؤالا في النحو. هل أنت مستعدة؟

راضية: طبعا.

عرفان: أين المفعول به في جملة: طالب المعلم المدير بتوفير الكتب للتلاميذ.

راضية: المعلم طبعا.

عرفان: لا يا آنسة. المعلم هو الفاعل الذي طالب المدير، والمدير هو المفعول به.

راضية: لو علـّمت في ثانويتنا لعرفت أن المدير لا يمكن أن يكون مفعولا به. المدير هو الفاعل دائما.

عرفان: شكرا يا آنسة. انتهى الامتحان.

[ تدخل جوهرة من باب السكرتير وتخرج راضية من باب قاعة الاستقبال]

عرفان: ماذا وجدت؟

جوهرة: راضية لم تأخذ شيئا من الحلي والساعات. يبدو أنها المتسابقة الوحيدة التي نجحت في امتحان الأمانة حتى الآن.

تطفأ الأضواء.

المشهد الثالث

[ تضاء أنوار قاعة الاستقبال وترى راضية وقد تجمع حولها المتسابقون يسألونها]:

المتسابقة الثالثة: قضيت أكثر من نصف ساعة في الداخل فماذا سألك؟

[ قبل أن تجيب راضية يدخل مخلوف وسمير إلى القاعة من الجهة اليسرى للمسرح أي من باب الفندق ويفاجأ بتجمع الشبان والفتيات فيصرخ فيهم]:

مخلوف: ما هذا؟ ماذا تفعلون هنا؟

أحد المتسابقين الشباب: جئنا لامتحان المسابقة؟

مخلوف: أية مسابقة؟

المتسابقة الأولى: المسابقة المنشورة في الجريدة.[ تريه الإعلان في الجريدة]. مخلوف [ يأخذها ويقرأ]: مسابقة لاختيار محاسب. [ يصرخ بغضب]: أنا مدير الموظفين وليس لي علم بهذا. المسابقة ملغاة. هيا انصرفوا.

[في الوقت نفسه يتحدث سالم مع سمير ويشير إلى لوحة الإعلانات فيهمس سمير في أذن مخلوف شيئا ويتجهان إلى لوحة الإعلانات المعلقة قرب باب مكتب المدير، بينما يدخل إلى البهو من باب الفندق رجل وامرأة محجبة ويتجهان إلى الكونطوار].

مخلوف [ يقرأ بصوت عال]: قرار بإيقاف التعامل مع مؤسسة النسور الذهبية. قرار بتعيين السيدة جوهرة مستشارة للمدير. قرار بتعيين صالح سكرتيرا للمدير. [ يلتفت صالح إلى سمير مستفهما]: أليس صالح هذا هو حامل الحقائب؟

سمير: بلى. هو بعينه.

مخلوف: هزلت! حامل الحقائب يصبح سكرتيرا. وماذا بعد؟ يتجهم وجهه فجأة. [ يتابع القراءة]: قرار بتحويل الملهى الليلي إلى مسرح. وبمنع الخمر والقمار في الفندق وتحويل الكازينو إلى ناد للشطرنج. قرار بضرورة إبراز عقد الزواج أو دفتر العائلة للزبائن المصطحبين لزوجاتهم. صحيح أن الرجل فقد عقله. يريد أن يحول الفندق إلى مدرسة.

[ يسمع صوت سالم وهو يناقش الزبون مع زوجته المحجبة بصوت عال]

سالم [ صائحا]: لا أستطيع. لا أستطيع. لدي تعليمات صارمة من المدير.

[ ينتبه الجميع إلى ما يحدث في الكونطوار].

الزبون [ غاضبا]: ناد المدير لأتفاهم معه.

[ يكلم سالم المدير في الهاتف بصوت منخفض غير مسموع ويخرج المدير ويتجه إلى الكونطوار]:

عرفان: نعم. ما المشكلة؟

سالم: هذا السيد أتى مع هذه المرأة دون أمتعة ويريد غرفة لهذا النهار فقط يخليها في المساء ولكنني لست متأكدا أن هذه المرأة زوجته.

الزبون [ يتقدم شارحا للمدير]: اسمي يحي زهدي وهذه زوجتي مريم، وهذا دفتر العائلة.

عرفان: يجب أن تكشف زوجتك عن وجهها لنتأكد منها.

الزبون: لا أبدا، لا أسمح لكم بذلك، زوجتي متحجبة ولن تكشف وجهها لأحد.

عرفان: فتش إذا عن فندق آخر.

الزبون: لن أبرح هذا الفندق لأنني زبون قديم فيه.[ فجأة يرى مخلوف]: السيد مخلوف يعرفني جيدا ويشهد على ما أقول.

مخلوف [ يتقدم إلى الكونطوار ويخاطب عرفان]: هذا زبون دائم يا سيدي ونحن نعرفه، يأتي كل شهر مع زوجته المحجبة فلا بأس.

المرأة [ تكشف عن وجهها فجأة وتسأل مخلوف بحدة]: ماذا تقول؟ يأتي كل شهر مع زوجته. [ تلتفت إليه صائحة]: كيف تجرؤ على الكذب؟ ألم تقل لي إن زوجتك مشلولة؟

سالم [ يعلق ضاحكا]: كان يأتي بها كل شهر على كرسي متحرك. ها ها ها.

[ينظر إليه الجميع باستنكار دون أن يضحكوا].

الزبون [ يجيب متلعثما]: هي مشلولة منذ أسبوعين.

المرأة: كذاب. قلت لي مشلولة منذ سنتين.

الزبون: خطأ بسيط في التعبير ياحبيبتي.

عرفان: بل خطأ في الضمير. لا أريد أن أراك هنا بعد اليوم وإلا حولتك إلى العدالة بتهمة التزوير.

الزبون: لأول مرة أرى مدير فندق يطرد الزبائن، أنتم الخاسرون والبلد مليئة بالفنادق.

عرفان: أما أنت يا سيدة. لا تخفي وجهك مرة أخرى وليكن هذا درسا لك.

المرأة: كذب علي ووعدني بالزواج وصدقته.

[ يتجه عرفان إلى المكتب فيستوقفه مخلوف]

مخلوف: هل تسمح؟ نريد مقابلتك أنا وسمير.

عرفان: تفضلا. يدخل مخلوف وسمير إلى الكتب ويتبعهما عرفان.

تطفأ الأضواء.

المشهد الرابع

[ تضاء أنوار المكتب. عرفان يجلس على الكرسي الهزاز ومخلوف وسمير يجلسان على الكنبة العريضة المقابلة للجمهور بجانب المكتب].

عرفان [ يسألهما]: نعم ما الأمر؟

مخلوف [ بلهجة غاضبة]: أخطأت بهذه القرارات التي اتخذتها دون استشارتنا ولا بد أن تلغيها فورا وإلا عرضت الفندق للإفلاس.

عرفان: كيف أستشيركما بعد أن حاولتما إقناعي بأن تعيين جوهرة مخالف للقوانين واللوائح؟ على المستشار أن يكون أمينا وصادقا، ولدي وثيقة بخطكما تثبت كذبكما. ومع ذلك أسألكما ما الذي لا يعجبكما من هذه القرارات؟

مخلوف: كلها. هذا فندق وليس مدرسة، ونزلاؤه زبائن محترمون وليسوا تلاميذ، ويجب أن ترضي الزبون لأنه دائما على حق.

عرفان: في البداية هذا فندق محترم، والزبون الذي يقصده يجب أن يكون كذلك. نحن نلبي احتياجات الزبائن في حدود القانون وحدود قيمنا ومعاييرنا.

مخلوف: القيم لا دخل لها بالفنادق. يجب أن يجد السائح في هذا الفندق ما يجده في غيره. ومعايير العولمة هي المعايير اليوم وهي تعطي الحرية الكاملة للزبون في أن يطلب ما يشاء ويفعل ما يشاء مادام يدفع. المهم أن يربح الفندق ويرضى الزبون.

عرفان: لو كان ربيع جابر صاحب الفندق يهتم بالربح وحده لما عين أستاذا لإدارته ولعينك أنت ولكنه لا يهتم بالربح وحده بل بالوسيلة التي يأتي بها هذا الربح، ولن أسمح أن يصبح هذا الفندق بؤرة فساد باسم العولمة والانفتاح.

مخلوف: جابر لم يعينك لأنك أستاذ.

عرفان: لماذا عينني إذا؟

مخلوف: جابر لا يعرفك. نحن الذين اقترحناك وعيناك.

عرفان: أنتم! من أنتم؟

مخلوف: أنا وسمير ومؤسسة النسور الذهبية التي أردت إلغاءها.

عرفان: هذا غير صحيح. الوكالة والعقد وقعهما صاحب الفندق.

مخلوف [ بلهجة تهديد]: المهم الآن أننا نعطيك مهلة إلى مساء الغد لترجع عن كل الإجراءات التي اتخذتها بخصوص الفندق والملهى وتلغي هذا الامتحان السخيف وتتعهد ألا تتخذ أي قرار دون استشارتنا وإلا فسيبدأ إضراب العمال صباح بعد غد وسنرفع الأمر للنقابة والمحكمة ونبلغ ياسمين من أجل عزلك.

عرفان: إلى ما بعد غد إذا.

[ يخرجان. تدخل جوهرة وراضية]

عرفان [ مخاطبا راضية]: هل بلغتك السيدة جوهرة بنتيجة الامتحان؟

جوهرة: لا. قالت لي إنك تريد أن تراني.

عرفان: مبروك ياآنسة لقد نجحت في الامتحان. وستعملين محاسبة بإشراف السيدة جوهرة.

راضية [ بابتهاج]: الحمد لله. كنت أعتقد أني سقطت في امتحان اللغة العربية.

عرفان: امتحان العربية لم يكن جديا بل كان للتمويه، لأن العربية كأي لغة ليست أحاجي وألغاز بل قدرة على الفهم والتعبير. الامتحان الحقيقي للمحاسب كان أمام طاولة الحلي الذهبية والفضية وأنت اجتزته.

تطفأ الأضواء.

المشهد الخامس

[ تضاء أنوار قاعة الاستقبال ونرى فيها سالم وصالح. يطلب سالم من صالح أن يساعده في تعليق لافتة كتب عليها: "إضراب إلى إشعار آخر فوق لوحة المفاتيح"]

صالح [ يسأله وهو يعلق معه اللافتة]: لماذا تريد أن تقف مع المضربين؟ أليس الأفضل أن تدعم الأستاذ عرفان الذي يريد إصلاح الفندق؟

سالم [ بسخرية]: هل هذا هو المدير الذي سيصلح شؤون الفندق؟! ألا ترى أنه يهدمه على رؤوسنا.

صالح: ألم تكن تشتكي دائما من الفساد؟

سالم: صحيح ولكني لا أراهن على حصان خاسر. نديم هذا يستطيع أن يرسل عرفان إلى ما وراء الشمس ومخلوف من أمكر وأخبث من عرفتهم، وهذان الإثنان لا يمكن لأحد أن يقاومهما. خذ نصيحتي وقف معهما لتكسب. لو كان أستاذك عاقلا لتعلم منهما طريقة الإدارة.

صالح: تقصد أن يتعلم منهما الفساد.

سالم: الفساد جزء من الإدارة لا يمكن القضاء عليه.

صالح: أهذا رأيك؟

سالم: بل هو منطق الحياة الذي لا تعلمه المدارس. صحيح أن ابن عمك لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية ولكنه تعلم في مدرسة الحياة. خذها نصيحة: احذر أن تلعب بورقة خاسرة.

صالح: أنا لا أفكر بالربح والخسارة حين أقف مع الحق.

[ يبدأ عمال الفندق بالتجمع بما فيهم عمال المطعم والملهى في بهو الفندق متوقفين عن العمل. ويدخل معهم مخلوف وسمير من باب الرواق].  

مخلوف [ يهتف فيهم بصوت جهوري]: ماذا تريدون؟

الجميع [ بصوت واحد]: إلغاء كل القرارات أو استقالة المدير.

[ يخرج الأستاذ عرفان من مكتبه وبيده ورقة، ويقف أمامهم وهم يهتفون وينتظرهم حتى يهدؤوا فيخاطبهم].

عرفان: إخواني، كلفني صاحب الفندق بتسييره، وقد حملت أمانة وأحاول بكل جهدي أن أقوم بها على أكمل وجه، ولن أظلم أحدا منكم ولكن التسيير مهمتي ولن أسمح لأحد بالتدخل فيه. المركب لا يسيره إلا ربان واحد، وبيني وبينكم القانون واللوائح، فإن ظلمت أحدا منكم فليعلمني بذلك وأنا أرفع عنه هذا الظلم، ولكن إياكم أن تستمعوا لمن يريدون أن يغطوا اختلاساتهم وتلاعباتهم بإثارة المشاكل. لن أستطيع التحدث معكم جميعا وتحت التهديد. إذا كنتم تريدون مناقشتي في أي موضوع فاختاروا من يمثلكم لمقابلتي. من اليوم مخلوف وسمير موقوفان عن العمل حتى يتم التحقيق معهما في حسابات الفندق. تعال ياصالح علق هذا القرار في اللوحة مع القرارات الأخرى. [ يناول عرفان صالح الورقة التي في يده ثم يخاطب مخلوف وسالم]: إذا كانت هذه القرارات مخالفة للقوانين واللوائح فأمامكما المحكمة. [ يخاطب العمال من جديد]: كل من يؤازر مخلوف وسمير سأتهمه رسميا بالتواطؤ معهما، أما من كان بريئا فليعد إلى عمله وليحافظ عليه بصدق وأمانة. سأدخل إلى مكتبي وسأخرج بعد خمس دقائق للقيام بجولة تفتيشية في الفندق وأريد أن أرى كلا منكم على رأس عمله، وأحب أن أتعامل معكم كإخوة ومكتبي مفتوح لكم دائما.

[ يدخل الأستاذ عرفان إلى مكتبه].

 مخلوف [ يخاطب العمال بصوت جهوري]: إياكم أن تستمعوا إليه، هذا انقلاب على الشرعية. يجب أن نبقى جميعا يدا واحدة.

[ وما إن انتهى من عبارته حتى وجد نفسه مع سمير وحيدين حيث خرج العمال من باب الرواق فانسحب وهو يهز رأسه وتبعه سمير وخرجا من الباب نفسه. أما سالم فاختفى خلف الكونطوار ثم رفع رأسه قليلا ليراقب الوضع ولما ذهب مخلوف وسمير أسرع سالم ليقف خلف الكونطوار ويفتح السجل ثم يضع الكرسي ويصعد عليه ويحاول نزع لوحة الإضراب ولكنه لم يستطع وحده وفوجئ بسمير يدخل من باب الرواق ويساعده في نزع اللوحة. خرج  عرفان من باب المكتب فاستقبله سمير محاولا الدفاع عن نفسه].

سمير: لم أكن مسؤولا عن الحسابات وحدي. مخلوف هو الذي كان يأتيني بأوامر الصرف لأوقعها وكنت أعتقد أن صاحب الفندق على علم بما يجري.

عرفان [ معلقاً بجملة واحدة]: سنرى ذلك فيما بعد.

تطفأ الأضواء.

المشهد السادس

[ تضاء أنوار المكتب. عرفان مشغول بأوراقه. تدخل جوهرةمن باب السكرتير]

 جوهرة [ تسأله]: ماذا نفعل الآن؟ هل نحول ملف نديم ومخلوف وسمير إلى العدالة؟

عرفان [ يرفع رأسه عن الأوراق ويقف ليفكر لحظة ثم يجيب]: من الأفضل أن نجمد هذا الموضوع مؤقتا. إذا رفعنا دعوى سيرفعون دعوى مضادة تتطلب محامين ومرافعات واستئناف وتمييز. من الأفضل أن ندخر الجهد والوقت لإصلاح الفندق.

[ يجلس عرفان من جديد ويعود إلى أوراقه. تفتح جوهرة حقيبة اليد وتخرج المرآة وأدوات الزينة وتصلح زينتها بينما يكون عرفان منشغلا بأوراقه. تنظر إلى صورة المرأة الموضوعة على المكتب ثم تحملها وتسأل]:

جوهرة: لمن هذه الصورة؟

عرفان [ يرفع عرفان رأسه ويجيب]: للمرحومة زوجتي.

جوهرة: إنها جميلة.

عرفان: كانت أجمل النساء في نظري؟

جوهرة: هل أحببتها؟

عرفان: لم أحب امرأة قبلها.

جوهرة: ولا بعدها.

عرفان [ يتردد قليلا ثم يقول]: كنت أحبها حبا جارفا، ورغم حبي الشديد للأطفال، لم أرض أن أذهب إلى الطبيب لأعرف إن كان سبب عدم الإنجاب مني أو منها خوفا من أن تسول لي نفسي أن أتزوج عليها من أجل الإنجاب. ماتت وتركتني وحيدا أجتر كآبتي. ولولا مهنة التعليم التي أعطت معنى لحياتي لمت كمدا. لكن الوجوه الباسمة لتلاميذي الذين كنت أقابلهم كل صباح والمتعطشين للحياة والعلم والمعرفة سلتني في محنتي، لكنني لم أنسها أبدا.

جوهرة [ تقول بينها وبين نفسها بصوت منخفض يسمعه الجمهور]: ما أكذب الرجال!

عرفان: ماذا قلت؟

جوهرة [ بسخرية]: ما أوفى الرجال وما أصدقهم. [ تنظر إليه مليا وتسأله]: هل ذهبت إلى باريس؟

عرفان: نعم. منذ أكثر من ثلاثين سنة، حين كان الدينار أغلى من الفرنك، ذهبت أكثر من مرة في عطلة الصيف.

جوهرة: وأين كنت تذهب في باريس؟

عرفان: وإلى أين يذهب الأستاذ؟ متحف اللوفر، المكتبة الوطنية، مسرح الأوبرا، متحف الشمع، أماكن بيع الكتب.

جوهرة: فقط.

عرفان: فقط.

جوهرة [ تهمس بحيث يسمعها الجمهور ولا يسمعها عرفان]: كذاب.

عرفان: لنستأنف العمل.

جوهرة [ تنظر إليه مليا ثم تقول]: تعبت. ما رأيك أن نلعب لعبة تنشط الذهن؟

عرفان: موافق، ما هي؟

جوهرة: أذكر لك اسما فتقول مباشرة ما يذكرك به هذا الاسم ولكن بسرعة.

عرفان: اتفقنا.

جوهرة:  باريس.

عرفان: برج إيفل.

جوهرة [تنظر إليه مليا ثم تتابع]: الطاحونة.

عرفان: القمح.

جوهرة: الحمراء.

عرفان: التفاح.

جوهرة: لماذا التفاح؟

عرفان: لأني أحب التفاح الأحمر.

جوهرة: تقصد التفاح التفاح أو التفاح المجازي.

عرفان: وما الفرق؟

جوهرة: أنت أستاذ اللغة والبلاغة تعرف الفرق.

عرفان: أحب التفاح بكل أنواعه الأبيض والأحمر والحقيقي والمجازي.

جوهرة: الطاحونة الحمراء كلها بماذا تذكرك؟

عرفان: الطاحونة العادية تطحن القمح والشعير والذرة، فماذا تطحن الطاحونة الحمراء؟

جوهرة: أنا التي أسأل.

عرفان: لم تعجبني هذه اللعبة. ما رأيك في لعبة أخرى تنشط الذهن؟

جوهرة: ما هي؟

عرفان: الشطرنج.

جوهرة [ باستنكار]: الشطرنج! هل رأيت مرة رجلا وامرأة يلعبان الشطرنج؟

عرفان: طبعا. كنت ألعب الشطرنج مع زوجتي في أوقات الفراغ.

جوهرة [ تنظر إليه مندهشة ثم تعلق بحيث يسمعها الجمهور ولا يسمعها عرفان]: المسكينة. ربما كان هذا سبب موتها. [ ترفع صوتها مخاطبة عرفان]: العمل أفضل. لنعد إلى العمل.

[ينشغل عرفان بالأوراق]

جوهرة [ تقف وتحدث نفسها بصوت يسمعه الجمهور]: هل من المعقول أن يكون زير نساء ويضع صورة زوجته المتوفاة، ويلعب الشطرنج؟ إنه زير عمل وزير شطرنج وليس زير نساء. إنه لا يحس حتى بأني أحبه. لا. في الحكاية لغز لا بدّ من كشفه.

المشهد السابع

صالح [ يدخل مخاطبا عرفان]: لجنة من عمال الملهى والكازينو يطلبون مقابلتك يا سيدي.

جوهرة: سأذهب إلى المطعم لأراقب العمل.

[تخرج جوهرة ثم تدخل من باب السكرتير مجموعة مكونة من ثلاثة رجال هم مسرور وحمدان وعبد المالك، وامرأة هي سالي].

عرفان [ يخاطبهم]: الآن يمكن أن نتحاور. جيد، تكلموا ماذا تريدون؟

مسرور [ يتحدث باسمهم]: نريد أن ترجع عن قرارك في إلغاء الملهى والكازينو.

عرفان: دعوني أسألكم أولا [ يوجه الخطاب لمسرور]: من أنت؟ وماذا تعمل ؟

مسرور: مسرور مدير الكازينو.

عرفان: مدير كلمة كبيرة، يعني أنت شيخ القمّارين.

مسرور: نعم.

عرفان: هل تتقن كل ألعاب القمار؟

مسرور: نعم. أعرف الروليت والبوكر والكونكان والطاولة وكل الألعاب، ولا أحد يمكن أن يتفوق علي فيها.

عرفان: كم جمعت من المال في القمار؟

مسرور: جمعت الكثير.

عرفان: يعني أنت غني الآن.

مسرور: لا يا سيدي فقد خسرت كل شيء. القمار هكذا دائما ربح وخسارة ولكن الخسارة أكثر بكثير من الربح.

عرفان: كيف تعمل في مهنة تعرف أنها قائمة على الخسارة وتساهم في إفقار الناس وإفساد حياتهم مع أنك لا تحصل إلى على راتب بسيط والربح يذهب إلى جيب صاحب الفندق؟

مسرور: حظي ونصيبي. مكتوب ومقدر.

عرفان: ولكن إذا سنحت لك الفرصة في تغيير هذا العمل لماذا تتمسك به؟

مسرور: لأني لا أتقن شيئا غيره.

عرفان: ما دمت تعرف كل الألعاب، هل تعرف الشطرنج؟

مسرور: تعلمته في صغري ولكني لم أمارسه لأنه صعب ويحتاج إلى وقت طويل.

عرفان: طبعا، الألعاب الأخرى ضربة حظ، أما الشطرنج فيعتمد على العقل والتفكير.[ يتجه إلى الثاني ويخاطبه]: وأنت؟

حمدان: أنا حمدان الموسيقي.

عرفان: ما الآلة التي تعزف عليها؟

حمدان: البيانو.

عرفان: أجبني بصدق: هل تعتبر نفسك فنانا أم عاملا في ملهى؟

حمدان: لم أفهم؟

عرفان: هل كان طموحك حين تعلمت الموسيقا أن تعزف في الملهى موسيقا صاخبة مع الخمر والرقص؟

حمدان [ يحني رأسه ويرسل زفرة ثم يجيب]: لا أبدا، كنت أطمح أن أكون موسيقيا كبيرا أؤلف الموسيقا، ولدي فرقة تعزف المقطوعات التي أؤلفها لجمهور المتذوقين.

عرفان [ يتجه إلى المرأة ويخاطبها]: وأنت؟

سالي: أنا الراقصة سالي.

عرفان: هل هذا اسمك الحقيقي؟

سالي: اسمي الحقيقي سليمة. ولكنني أفضل سالي لأنه موسيقي أكثر.

عرفان: كما تريدين يا سالي. هل كان طموحك أن ترقصي في ملهى للسكارى وتجالسيهم وهم ينهشون لحمك بأيديهم وعيونهم؟

سالي [ تخفض رأسها وتجيب]: كان حلمي أن أكون راقصة بالية، أو راقصة في فرقة فولكلورية، ولكن...!

عرفان [ يتجه إلى الأخير ويسأله]: ما اسمك؟ وماذا تعمل بالضبط؟

عبد المالك: اسمي عبد المالك. أقف وراء "الكونطوار" وأقدم المشروبات للزبائن.

عرفان: هل من الضروري أن تكون المشروبات التي تقدمها كحولية؟ وهل من الضروري أن ترى كل يوم أصناف السكارى؟

 [يطرق عبد المالك ولا يجيب]

عرفان [ يقف قبالتهم ويقول]: اسمعوني جيدا، بالنسبة للموسيقيين والراقصات، سيتحول الملهى إلى مقهى ومسرح يقدم فنا راقيا وعلى الموسيقيين الطامحين أن يجتهدوا في تقديم الجيد وسأدعمهم وأساعدهم، وسنكون فرقة رقص فولكلورية تقدم الرقصات الجزائرية المتنوعة والعربية والهندية في قالب نظيف يليق بسمعة الفنانين، أما عمال الملهى فيتحولون إلى عمال المقهى يقدمون فيه كل أنواع المشروبات الساخنة والباردة الخالية من الكحول، وبالنسبة إلى الكازينو سيتحول إلى قاعة للشطرنج يمارس فيها الزبائن اللعب ويسمح فيها لمن يريد أن يتعلم الشطرنج من خارج الفندق أن ينضم إلى النادي برسم بسيط وسيكون هناك، أستاذ لتعليم الشطرنج، ويتحول عمال الكازينو إلى عمال في هذا النادي أو في هذا الفندق. هذا ما لدي. بلغوا زملاءكم فإن وافقتم فأنا على استعداد لمساعدتكم في ما تطلبون، ومن يرفض هذا العرض فلن نعترض طريقه ويستطيع الذهاب للعمل في أي ملهى أو ناد للقمار بعيدا عن هذا الفندق.

تطفأ الأضواء.

المشهد الثامن

[ تضاء أنوار قاعة الاستقبال. مخلوف وسمير يجلسان على الكنبة المستطيلة في بهو الفندق يتحادثان. يدخل نديم من باب الفندق]

 نديم [ يقترب منهما سائلا]: ما هذا الذي سمعت؟

مخلوف: لا تشغل بالك ياسيدي. هذا الرجل مجنون وهو لا يعرف ما يفعل.

نديم: لو تجرأ وقدمنا إلى العدالة فلن يعيش حتى يحضر المحاكمة. [ يخرج الموس من جيبه] لن يكلفني أكثر من طعنة بهذا الموس ولن ألوث يدي به. سيتكفل به رجالي. والله لن أخسر عليه رصاصة واحدة.

مخلوف: لا تقلق فقد اتصلنا بالعقيد عزام ونحن ننتظر نزوله من جناحه.

نديم: سأذهب أنا إذاً وأرجو أن يؤدب هذا الغبي.

مخلوف: بالتأكيد ياسيدي.

[ يدخل إلى القاعة من باب الرواق رجل في الأربعين من عمره يلبس بدلة فاخرة سوداء وشعره محلوق من طرفي الرأس مما يوحي بأنه عسكري].

عزام [ يسأل مخلوف وسمير بلهجة متعالية دون أن يسلم عليهما]: لماذا كان الملهى والكازينو مغلقين بالأمس؟

مخلوف [ بتذلل واحترام شديدين]: من أجل هذا اتصلنا بك ياسيدي العقيد، المدير الجديد قرر إغلاق الملهى والكازينو، لكننا لم نسكت وقدم العمال احتجاجهم والمدير مصمم على قراره. أرجوك ياسيدي أن تتدخل في الموضوع وتقنعه بفتحهما.

عزام: لا يحق له إغلاقهما فنحن نستعملهما لمراقبة المافيا.

مخلوف: نحن نعلم ذلك ياسيدي ولكنه لا يعرف أنك في مهمة خطيرة, وأن إغلاقهما يهدد سلامة هذه المهمة.

عزام [ بلهجة استعلائية دائما]: من هو هذا المدير؟

مخلوف: هو أستاذ متقاعد في التعليم المتوسط لا يفهم شيئا في الإدارة.

عزام [ باستهزاء]: كيف تعينون أستاذا فاقد الصلاحية مديرا لفندق محترم، أكيد أنه أستاذ فاشل وإلا لما استغنوا عنه.

سمير [ يتدخل ويجيب مازحا]: في الحقيقة ياسيدي، سمعت احد رجال التربية يقول: حين يفشل الأستاذ في التعليم عينوه مديرا، وحين يفشل في الإدارة عينوه مفتشا، وحين يفشل في التفتيش عينوه....

مخلوف [ يقاطعه]: يكفي هذا ...مالك تصعد إلى  فوق هل تريد أن تتهم بالقذف؟

سمير: لا، ولكن صاحب الفندق عمل بالنصيحة وعين هذا الأستاذ الفاشل مديرا.

عزام [ يأمرهما بحزم]: تعالا معي. سأوقفه عند حده.[ يتجه إلى الكونطوار ويخاطب سالم]: ناده ياسالم. [ يذهب سالم متحمسا لندائه ويدخل إلى مكتبه].

مخلوف [ يسأله]: ألا ندخل إلى مكتبه ياسيدي؟

عزام [ بعجرفة واستعلاء]: لا. بل هو الذي يأتي إلينا.

[يخرج المدير من مكتبه ومعه سالم ويتقدم منهم].

مخلوف [ يقدم عزام للمدير]: أقدم لك العقيد عزام من الأمن الوطني.

عرفان [ يمد يده قائلا]: تشرفنا. أهلا وسهلا.

عزام [ يتجاهل يد عرفان الممدودة ويقول له بلهجة استعلائية آمرة]: بخصوص الملهى والكازينو، نحن نستعملهما كمصيدة لعصابة خطيرة نراقبها منذ شهور، وإغلاقهما سيفشل مهمتنا التي نعول كثيرا على نجاحها. وأنا أطلب منك رسميا أن تفتحهما ريثما ننتهي من هذه المهمة.

عرفان: كم تستغرق مهمتكم؟

عزام: لا أدري. ربما شهر. ربما سنة أو أكثر.

عرفان: سأفكر في الأمر.

عزام [ بحزم وصرامة]: عليك أن تفتحهما الليلة. هذا أمر واجب التنفيذ وستتحمل شخصيا مسؤولية أي تأخير.

[ يضرب مخلوف كفه بكف سمير دلالة على سعادتهما بما قاله عزام، بينما يبدو السرور على سالم وراء الكونطوار الذي يفرك يديه مبتهجا. وفي هذه الأثناء يدور عزام على عقبيه في خطوة عسكرية ويتجه نحو باب الرواق].

  مخلوف [ مخاطبا عرفان]: قلنا لك لا يجوز أن تغلقهما لأننا كنا نعلم بهذه المهمة.

عرفان [ باستسلام وإذعان]: لم يخبرني أحد من قبل عن مهمته. ماذا يفعل؟

سمير: يقضي الليلة ما بين الملهى والكازينو، يجالس الراقصات للتمويه والمراقبة ويستلف شهريا من الفندق خمسة ملايين سنتيم يلعب بها للتمويه أيضا.

عرفان: ويقيم على حساب الفندق طبعا؟

مخلوف: نعم، ولكن المبالغ التي يستلفها يعطينا بها وصولات على أن تسددها لنا إدارته في آخر السنة.

عرفان: منذ متى؟

مخلوف: منذ شهرين تقريبا.

عرفان: ما رقم غرفته؟

سمير: يقيم في جناح وليس في غرفة. الجناح رقم 3 في الطابق الثالث.

عرفان: هو يستلف كل شهر خمسة ملايين سنتيم؟

سمير: هي من أموال القمار، حين يخسرها نستردها؟

عرفان: وحين يربح؟

مخلوف: في الحقيقة حين يربح يحتفظ بها لنفسه، ولكن لدينا الوصولات.

عرفان: مفهوم مفهوم، يعني فساد بمهمة رسمية. يشرب ويلهو ويقامر. وهل هذا كله جزء من المهمة؟

مخلوف: نعم يا سيدي، إنه يراقب طيلة الليل وعينه لا تغمض.

عرفان: قلتما لي بأنه يشرب ويلهو ويقامر فكيف يراقب.

سمير: الشرب واللهو والقمار للتمويه ياسيدي وفي الحقيقة هو يراقب.

عرفان: يراقب من؟

مخلوف: رجال العصابات، المافيا.

عرفان: هل تأكدتم من أنه عقيد حقيقي في الأمن؟

مخلوف: ماذا تقول يا سيدي، طبعا، طبعا ورأينا بطاقته. وهو الذي يحمي الملهى والكازينو.

عرفان [ يخاطب سالم]: أعطني دليل الهاتف. [ يفتح دليل الهاتف ثم يضغط على أزرار الهاتف طالبا رقما ويقول]: محافظة الأمن الوطني، أعطني مكتب السيد مدير الأمن من فضلك. أنا مدير فندق الأحلام الوردية.

[ ينظر مخلوف وسمير كل منهما إلى الآخر بينما يتابع عرفان بعد لحظة صمت]: نعم يا سيدي، أنا مدير الفندق، لدينا نزيل يدعي أنه عقيد في الأمن ولديه مهمة محددة هنا، اسمه عزام. ماذا؟ لا يا سيدي لن أتدخل فيما لا يعنيني مرة أخرى، أرجو المعذرة، أرجو المعذرة.

عرفان [ يلتفت إلى مخلوف وسمير]: الآن تأكدت.

مخلوف: قلنا لك فلم تصدق.

[ يدخل عرفان إلى مكتبه بينما يتعانق مخلوف وسمير ويخرجان من المسرح أما سالم فيرقص خلف الكونطوار].

[ بعد قليل يخرج عرفان من مكتبه ويخاطب سالم]

عرفان: سيحضر الآن ضابط من الأمن فانتظره في الخارج ودله على جناح عزام.

سالم: جناح سيادة العقيد عزام ياسيدي.

عرفان: نعم.

سالم: حاضر ياسيدي.

[ يخرج سالم من باب الفندق وتدخل جوهرة مسرعة من باب الرواق]

جوهرة [ بقلق بالغ]: ماذا حدث؟ قلت لك سأصعد قليلا إلى الغرفة لأستريح، ولكنك تتصل بي وتقول لي: محافظة الأمن الوطني والسيد مدير مكتب مدير الأمن، وأنا أقول لك: أنا جوهرة، ألم تعرفني، وتحدثني عن عقيد ثم تقول لي: لن أتدخل مرة أخرى فيما لا يعنيني. أرجو المعذرة وتغلق الهاتف، قطعت استراحتي وأتيت بسرعة لأطمئن عليك. خيرا، هل أنت محموم؟

عرفان [ يضحك]: لا، أنا في غاية الصحة.

جوهرة: ما الأمر إذا؟

عرفان: سأشرح لك، هناك محتال يدعي بأنه عقيد في الأمن، وكنت أشك بأن مخلوف وسمير متواطئان معه، ولكن لم يبد عليهما الخوف والانزعاج حين كلمتك على أساس أنني أكلم مكتب مدير الأمن، وهذا يعني أنهما مخدوعان به.

جوهرة: وكيف اكتشفت أنه محتال؟

عرفان: حين يرسل الأمن رجلا في مهمة لا يكشف هويته لأحد إلا حين يكون مضطرا، ويزوده بكافة الوسائل اللازمة لنجاح المهمة. أما هذا فمحتال من النوع الذي شاهدناه في قضية شاركنا فيها معا. أتذكرين؟ قضية الذي انتحل صفة ضابط قريب من أحد رجال القيادة العسكرية ليحتال وينصب على الناس، وهذا العقيد المزيف يقيم هنا منذ شهرين في جناح وليس في غرفة يشرب ويلهو مع الراقصات ويقامر على حساب الفندق ويعطي الأوامر أيضا، وفوق هذا يظن أن التكبر صفة العسكريين. تصوري أني مددت يدي لأصافحه فلم يصافحني. أريد أن أرى وجه مخلوف وسمير حين يكتشفان أنهما خدعا في هذا الرجل، اتصلت قبل قليل من مكتبي بالأمن ليأتوا ويقبضوا عليه.

[ بعد قليل يدخل الضابط من باب الفندق وأربعة من رجال الأمن  ومعهم سالم متجهين إلى باب الرواق فيفاجأ سالم بعزام يدخل إلى القاعة من نفس الباب مع مخلوف وسمير فيقول للضابط:

سالم: هذا هو سيدي العقيد.

الضابط [ مخاطبا عزام]: أخيرا وقعت يا شعبوط.

[ يحاول عزام الهرب فيمسك به رجال الأمن  ويضعون القيد في يديه ويتحادثون مع عرفان بصوت غير مسموع. يفاجأ مخلوف وسمير بما حدث، بينما يرى سالم مندهشا مذهولا].

مخلوف [ يضرب كفا بكف نادبا حظه]: أخذ مني عشرين مليون سلفة ووعدني بتعيين ابني في سوناطراك.

عرفان [ يسأله]: وما علاقته بسوناطراك؟

مخلوف: قال إن مدير الموظفين صديقه الحميم.

سمير: وأنا أخذ مني عشرة ملايين سنتيم ووعدني بشقة في السكن الاجتماعي بسيدي عبد الله.

ضابط البوليس [ مخاطبا عرفان]: هذا الرجل احتال على الناس في عشر ولايات واسمه الحقيقي نذير شعبوط. نحن نبحث عنه منذ سنتين، لكن الناس لا يخبرون عنه إلا متأخرا، كلهم يطمع في أن يحقق أغراضه خارج القانون والطماعون هم دائما ضحايا سهلة للنصابين والمحتالين.

 [ تطفأ الأضواء. تعزف الموسيقى دلالة على انقضاء بعض الزمن].

المشهد التاسع

[ تضاء أنوار قاعة الاستقبال من جديد.سالم وراء الكونطوار، يخرج عرفان من المكتب ويتجه إلى الكونطوار].

عرفان: هل الأمور على ما يرام؟ هل هناك شكاوى أو اقتراحات من الزبائن؟

سالم: كل شيء على ما يرام. أنا لدي اقتراح ياسيدي. ما رأيك في أن نضع في الاستمارة ديانة السائح لنضع له نسخة من القرآن الكريم إذا كان مسلما والكتاب المقدس إذا كلن مسيحيا أو يهوديا.

عرفان: وإن كانت ديانته بوذية أو هندوسية، أو لم يكن متدينا على الإطلاق؟

سالم: في هذه الحالة... لا أدري...

عرفان: اسمعني جيدا. لم يكن أجدادنا يسألون ضيوفهم عن دينهم، ولن نسأل نحن ضيوفنا عن دينهم، فالبشر كلهم إخوة مهما كانت ديانتهم، وسواء أكانوا متدينين أم علمانيين فلهم علينا حق الضيافة والاحترام وإن خالفونا في العقيدة والمذهب.

سالم: شيء آخر يا سيدي.

عرفان: نعم. ماذا هناك؟

سالم: هناك زبون في إحدى الغرف يتعاطى الخمر والعياذ بالله.

عرفان [ ينظر إليه بهدوء ويسأله]: كيف عرفت؟

سالم: رأيته بالأمس وهو يحمل كيسا مغلقا وخمنت أن فيه زجاجة.

عرفان: هل أنت منجم؟

سالم: لا يا سيدي ولكنني أعرف هذا الزبون جيدا، كنت أحمل له كؤوس الويسكي والريكار من البار.

عرفان: ربما يحمل في الكيس شيئا آخر.

سالم: لا، لأنني دخلت الغرفة بحجة تصليح أنبوب المياه فوجدت كأس الويسكي بجانب السرير، حاول أن يخفيه خلف الكتاب لكنني رأيته. هل نطرده يا سيدي؟

عرفان: بل أنت الذي تستحق الطرد لأنك تجسست على الزبون في غرفته.

سالم: لكنه يشرب الخمر والخمر حرام يا سيدي.

عرفان: متى عرفت أنها حرام؟ ألم تكن تحمل إليه كؤوس الويسكي والريكار وتقبض منه المعلوم؟ لم يكن هذا حراما، ولكن حين أصبح يحضر خمره بنفسه لم يعد يعطيك المعلوم [ويشير بيده إلى النقود] فحقدت عليه.

سالم: لا يا سيدي.. أنا ...

عرفان [ يقاطعه]: اسمعني جيدا، نحن لا نقدم الخمر إلى الزبون، ولكن من يشتري الخمر بنفسه ويشربها في غرفته في سرية تامة دون أن يزعج أحدا فنحن لن نزعجه ولا نسمح لأحد أن يزعجه ولا نتجسس عليه.  هناك حرمة للغرف. هل فهمت؟

سالم: نعم يا سيدي. بقيت مشكلة مزور الشيك. ماذا نفعل به؟ هل نسلمه إلى الشرطة؟

عرفان: أين هو؟

سالم: يجلس هناك ياسيدي.

عرفان [ يلتفت إلى الشاب الجالس على الكنبة ويقول لسالم]: إنه شاب مراهق. والشيك الذي زوره باسم من؟

سالم: باسم أبيه ياسيدي.

عرفان: يجب أن نعرف لماذا زور الشيك ونتصل بأبيه. سأكلم السيدة جوهرة لتستقبله وتعالج مشكلته.

[ تطفأ الأضواء. تعزف الموسيقى دلالة على انقضاء بعض الزمن.]

 

المشهد العاشر

[تضاء أنوار قاعة الاستقبال. سالم وراء الكونطوار. يدخل صالح من باب الفندق وهو يحمل الجريدة].

صالح [ يخاطب سالم بعصبية]: هل رأيت ما كتبته جريدة الصفاء اليوم؟

سالم: ماذا؟ هل قامت الحرب؟

صالح[ يناوله الجريدة ويشير إلى المقال]: اقرأ بنفسك.

سالم [ يقرأ العناوين]: فندق الأحلام الوردية يغرق في المشاكل، مديره الجديد أستاذ في التعليم ليست لديه أي خبرة في السياحة، التفكير الأصولي المتطرف خطر على السياحة، أين أنت يا وزارة السياحة؟

إنها لهجة نارية، إقرأ يا صالح المقال فأنا لا أستطيع قراءة الخط الصغير بالعربية.

صالح [ يقرأ]: في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة فيه إلى جرعة حيوية تنشط سياحتنا الساكنة وتخرجها من سباتها، يستلم إدارة أحد الفنادق السياحية في العاصمة معلم متزمت متحجر ذو تفكير أصولي فيحول الفندق إلى مدرسة والزبائن إلى تلاميذ ويلغي وسائل التسلية والترفيه في الفندق بحيث هجره السياح وندب حظهم الموظفون، ونحن نوجه نداء عاجلا للسيد وزير السياحة ليوقف هذا المخبول عند حده ويعيد الأمور إلى نصابها"

سالم [ يبدو عليه السرور والارتياح لما كتب في الجريدة، ويعلق]: طبعا طبعا، يجب أن يوقف عند حده.

صالح [ ينظر إليه مندهشا ويسأله]: ماذا تعني؟

سالم [ يرتبك ثم يسارع إلى القول]: أعني يجب أن يوقف الصحفي عند حده.

 [ تدخل جوهرة من باب الرواق في طريقها إلى المكتب. يوقفها صالح ويريها الجريدة، تقرأ ويبدو عليها الانزعاج ثم تمسك الهاتف في بهو الاستقبال وتطلب هاتف الجريدة]

جوهرة: السيد رئيس التحرير من فضلك، قل له مستشارة مدير فندق الأحلام الوردية.

     "صباح الخير، لن آخذ من وقتك الثمين كثيرا، وسأدخل رأسا في الموضوع، قرأت ما كتبت صحيفتكم عن المدير وعن الفندق، أرجو أن ترسلوا صحفيا نزيها لتحقق مع العمال والنزلاء في الفندق وإذا أثبت ما قاله صحفيكم، أقسم لكم أني شخصيا سأترك العمل وأستقيل. مع السلامة".

صالح [ مخاطبا جوهرة]:هل أخبر المدير بمقال الجريدة؟

جوهرة: من الأفضل ألا تخبره. أنا سأتصرف.

[يخرجان ويبقى سالم وراء الكونطوار]

سالم [ يخاطب نفسه]:هل أقول له؟ لا. لن أتدخل في هذا الأمر.[ يتردد] بل سأقول له. [ يمسك سماعة الهاتف ويطلب رقما ويضع على فمه منديلا كي لايعرف صوته ويتكلم]: أنت مدير فندق الأحلام الوردية...إقرأ ما كتبته جريدة الصفاء عنك اليوم...إقرأها وأنت تعرف...أنصحك أن تعود لمهنتك معلما للأولاد ولا تتدخل فيما لا تفهمه. [ ينزع المنديل ويضع السماعة ويجلس وراء الكونطوار ببراءة].

تطفأ الأضواء.

المشهد الحادي عشر

[ تضاء أنوار المكتب. ونرى جوهرة والشاب المراهق ياسر].

جوهرة [ تمسك بطاقة تعريف ياسر]: اسمك ياسر فاضل وعمرك سبعة عشر عاما.

ياسر: نعم.

جوهرة: لماذا زورت توقيع والدك على الشيكات؟

ياسر: لا أدري، لم أجد إلا هذه الطريقة، ليس معي نقود، وأردت الهرب من المنزل فأخذت معي دفتر الشيكات وحين تعبت من السير طيلة النهار وجدت نفسي بجانب الفندق ودخلت.

جوهرة: هل زورت قبل هذه المرة.

ياسر: أبدا والله، هذه أول مرة.

جوهرة: لماذا تركت المنزل؟

ياسر: أبي يريدني أن أدرس الحقوق لأكون قاضيا وأنا أحب الموسيقا وأريد الدخول إلى معهد الموسيقا.

جوهرة: هل أنت ابن القاضي شعبان فاضل.

ياسر [ يتردد قليلا]: نعم. هل تعرفينه؟

جوهرة: نعم أعرفه. أبوك رجل فاضل، لماذا لم تحاوره وتقنعه بوجهة نظرك؟

ياسر: أحاوره؟ قلت بأنك تعرفين أبي. أنت لا تعرفينه ، لا يحب أن يناقشه أحد فيما يصدره من أوامر وهي واجبة التنفيذ ولا يمكن الاعتراض حتى بعد التنفيذ.

جوهرة: أنت تبالغ فليس هناك أب لا يستمع لولده، وهذه القيثارة أليس هو الذي اشتراها لك؟

ياسر: أبدا، أمي هي التي اشترتها وهو يسخر مني ومن عزفي.

جوهرة: وكيف سنحل المشكل الآن؟

ياسر: سأعطيكم القيثارة بدلا من النقود فليس معي مال.

جوهرة: هل تعرف أن التزوير يعرضك للسجن ويقضي على مستقبلك؟

ياسر: لم أفكر في هذا.

جوهرة: فكر في متابعة دراستك لأنك دون شهادة ومهما كنت ماهرا في العزف فلن تجد عملا إلا في النوادي الليلية كعازف قيثارة ولن تستطيع متابعة دراسة الموسيقا. سأتصل بوالدك وأقنعه.

ياسر: لن تستطيعي إقناعه.

جوهرة: لا تكن متشائما، اذهب الآن إلى غرفتك واعتبر نفسك في ضيافتنا حتى نجد حلا لمشكلتك.

ياسر: لن تسلموني إلى الشرطة إذا.

جوهرة: طبعا لا.

ياسر: شكرا لك يا سيدتي، شكرا، شكرا.

 [ يخرج ياسر من باب السكرتير ثم جوهرة]

تطفأ الأضواء.

المشهد الثاني عشر

[ تضاء أنوار المكتب ونرى عرفان جلسا على مكتبه. يدخل القاضي شعبان فاضل من باب السكرتير فيقف عرفان ويستقبله مرحبا ولكن القاضي يخاطبه بلهجة جافة.]

عرفان: أهلا. تفضل بالجلوس.

القاضي [ يبقى واقفا]: قالت لي الآنسة جوهرة بأنك أرسلت ورائي، وشرحت لي أنك لم ترد تقديم الشيكات المزورة إلى العدالة.

عرفان [ يظل واقفا أيضا]: أنت والد ياسر؟

القاضي [ باستنكار]: كأنك لم تكن تعرف.

عرفان: بالفعل لم أكن أعرف.

القاضي [ غاضبا]: بل كنت تعرف وتريد إذلالي وإقناعي بأن ابني أيضا مجرم ويستحق العقاب وأنت تعفو عنه.

عرفان: لم أكن أعلم أنه ابنك، أؤكد لك.

القاضي: هذا لا يغير من الأمر شيئا، ابني ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون ويجب أن يأخذ جزاءه، أريد أن يأخذ العدل مجراه.

عرفان: تسجن ابنك ليقال إنك قاض عادل؟ أنت الآن أب ولست قاضيا.

القاضي:  كل ما أريد تحقيقه هو العدل.

عرفان: الرحمة فوق العدل.

القاضي: لمن يستحقها.

عرفان:  ومن يستحقها منك أكثر من ولدك؟ ماذا تقول لأمه؟

القاضي: أقول لها: لو ربيته جيدا ولم تدلليه لكان رجلا.

عرفان: صحيح أنك أنجبته ولكنك لا تستطيع صنعه كما تريد، الله الذي خلقه هو الذي صنعه كما يريد. ابنك لم يخلق لكي يكون قاضيا مثلك بل ليكون فنانا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل ميسر لما خلق له".

القاضي: والآن إن لم تتقدم بشكوى ضد ولدي فسأتقدم أنا بشكوى لأنه سرق دفتر شيكاتي.

عرفان: سأروي لك حكاية حدثت معي حين كنت في الصف الثاني في المدرسة الابتدائية. كان لدينا معلم يخرج كل يوم أخاه الصغير ويضربه أمامنا لأنه لم يجب عن سؤال أو لم يطع أمره في المنزل. كنا نقول: ما أعدل هذا الأستاذ، يضرب أخاه أمامنا. ولكنني حين كبرت احتقرت هذا المعلم، لأن أخاه كان تحت جناحه فظلمه ليظهر بمظهر العادل أمامنا.

سأقول لك بصراحة: إذا لم تنصف ولدك فلن تستطيع إنصاف أولاد الناس. اترك الولد عندي الآن فهو في أمان وراجع نفسك فإن استطعت أن تقوم بدور الأب ونسيت أنك قاض فتعال وضمه إلى صدرك، وإلا فاتركه لمصيره.

[ تطفأ الأضواء.]

ستار

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الأول

 لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الثالث

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: فندق الأحلام الوردية

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات