الفصل الثاني

من مسرحية: هموم الكاتب بوعلام

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهد الأول

[يفتح الستار على غرفة مكتب دار السبع للنشر ونرى صبية في أوائل العشرينات سمراء متوسطة الطول  والجمال، عسلية العينين، ترتدي ثوبا أخضر طويلا وأنيقا ومفتوحا قليلا من الأمام حسب الموضة. تعتني بزينة وجهها وتسريحة شعرها دون إفراط في استعمال الماكياج. تدخل إلى الغرفة وترتب طاولة المكتب، ثم ترتب الطاولة الصغيرة. يسمع صوت جرس وطرق على الباب في الخارج. تخرج السكرتيرة، ثم يدخل فضيل بعد لحظة وتتبعه السكرتيرة.]

السكرتيرة[غاضبة]: قلت لك ليس عندنا أحد باسم بوعلام، ألا تفهم؟

فضيل[بإصرار]: ولكني زرته بالأمس هنا وسأنتظره حتى يأتي.

السكرتيرة[مهددة]: إن لم تخرج من هنا في الحال سأنادي رجال الشرطة ليأخذوك بتهمة اقتحام المكتب بالقوة.

فضيل[بحدة]: أنا لم أرك هنا قبل الآن وبوعلام لم يحدثني عنك، فمن أنت؟

السكرتيرة[بنفاد صبر]: لا يهمك أن تعرف من أنا. اخرج حالا وإلا....

فضيل[ مقاطعا بلهجة هادئة]: سأخرج، ولكني سأعود، وسترين.

السكرتيرة[تزفر زفرة حرى]: مصيبة. كيف تصبحت بهذا الرجل القليل الذوق الثقيل الدم.  

[يرن جرس هاتف المكتب فترفع السماعة].

السكرتيرة[تجلس على الكرسي وتضع رجلا فوق رجل وتجيب بدلال]: آلو. [تصلح جلستها فورا وتعود إلى لهجتها الطبيعية]: السيد دحمان. نعم نعم. تتكلم من المطار. نسيت أن تخبرني عن بوعلام المصحح الجديد. فهمت. مشاريع الكتب تسلم له خلال غيابك. مع السلامة يا سيدي.

[تغلق السكرتيرة السماعة ويدخل بوعلام في هذه اللحظة يرتدي نفس البدلة]

بوعلام[ يفاجأ بها]: صباح الخير.

السكرتيرة: صباح الخير.

بوعلام[ بلهجة الواثق]: أنت حسيبة السكرتيرة.

السكرتيرة: وأنت السيد بوعلام.

بوعلام: كيف عرفت؟

السكرتيرة: السيد دحمان أخبرني عنك. بالمناسبة كان قبل ساعة هنا وهو مسافر اليوم إلى فرنسا ولن يعود قبل أيام. وكلمني قبل قليل من المطار وطلب أن أسلمك مشاريع الكتب التي تصل إلى المكتب. وأنت كيف عرفت أني السكرتيرة؟

بوعلام: حين دخلت ورأيت صبية جميلة أنيقة ترتب المكتب تساءلت: من تكون ياترى؟ كان لدي ثلاثة خيارات: أولا – مذيعة في التلفزيون. ثانيا – عارضة أزياء. ثالثا – سكرتيرة. وقلت في نفسي: مذيعة التلفزيون أو عارضة الأزياء، لا يمكن أن ترتب مكتب السيد دحمان فلم يبق إلا السكرتيرة. هل أنا مخطئ؟

السكرتيرة[ تضحك]: أضحكتني ياسي دحمان وأنا مهمومة.[تزفر زفرة حرى وتتنهد بعمق].

بوعلام: انسي الهموم فتنساك.

السكرتيرة[بحرقة]: ياليتها تنساني. قل لي ياسي بوعلام: هل عندك أولاد؟

بوعلام: عندي ولدان تخرجا من الجامعة ولكنهما من دون عمل، وأنا من ينفق عليهما.

السكرتيرة: أما أنا فأعمل سكرتيرة رغم أني جامعية. أبي سرح من العمل بعد إفلاس مؤسسته، واشتد عليه المرض ومات وصرفنا التعويض في سنة واحدة. اضطررت إلى العمل كسكرتيرة لأني لم أجد عملا آخر.

بوعلام[متأثرا]: أعانك الله يا ابنتي.  إذا أعددت القهوة فأرجو أن تحسبي حسابي بفنجان معك.

 السكرتيرة[ تلتفت إليه باستنكار شديد يبدو في وجهها ولهجتها]: فنجان قهوة! ربما تحسبني خادمة هنا؟

بوعلام: أستغفر الله يا ابنتي.

السكرتيرة[بعصبية]: صحيح أنا أعمل سكرتيرة، لكني خريجة جامعة. معي ليسانس في اللغة الإنجليزية، وأنا التي أرقن النصوص وأخرج الكتب وأعد الغلاف، وتأتي أنت لتطلب مني فنجان قهوة. أنا التي أخطأت بقبولي هذا العمل لأني لم أجد غيره.

بوعلام[بهدوء]: سامحيني يا ابنتي.

السكرتيرة[بحدة]: أنا لست ابنتك. اسمي الآنسة حسيبة، ونحن هنا في مكان عمل والعلاقة بيننا مهنية بحتة. أنت تناديني الآنسة حسيبة وأنا أناديك السيد بوعلام.

بوعلام[باسما]: كما تريدين يا ابنـ...عفوا يا آنسة حسيبة.

السكرتيرة[بلهجة أقل حدة]: هكذا أفضل. [تخرج وهي تردد بسخرية]: فنجان قهوة، هه.

بوعلام[ بأسف]: لاحول ولا قوة إلا بالله.

       [تعود السكرتيرة من جديد وتخاطب بوعلام]

السكرتيرة: نسيت أن أخبرك. سأل عنك شاب نحيل قليلا ويبدو أنه من الريف.

بوعلام: عرفته. أكيد هو فضيل.

السكرتيرة[تتمسكن]: ولكنه أهانني.

بوعلام[مبديا تعجبه]: فضيل !

السكرتيرة: وشتمني.

بوعلام[بدهشة ظاهرة]: فضيل !

السكرتيرة: نعم.

بوعلام: غريب، لا أصدق. هو عادة مهذب ومؤدب، ولكن ربما لم ينم جيدا هذه الليلة فالمسكين ينام في الحمام.

السكرتيرة[مندهشة]: في الحمام! لماذا؟

بوعلام: هو من الصحراء ويسكن وحده هنا. وبما أنه أعزب فحظه قليل في الحصول على سكن. أنا نصحته بالزواج بسرعة. ولكنه حتى الآن لم يجد الفتاة المناسبة. لو كان عندي بنت لزوجتها له فهو شاب طيب.

السكرتيرة[ تفتح عينيها وتردد]: أعزب ويريد الزواج.

بوعلام: ولكني سأجعله يعتذر منك.

السكرتيرة[تلطف لهجتها]: لا لزوم لذلك. في الحقيقة أنا التي أسأت إليه ومنعته من الدخول. لم أكن أعرف.

بوعلام:  لابأس. لا بأس.

السكرتيرة: قل لي ياسي بوعلام.

بوعلام: نعم يا آنسة حسيبة.

السكرتيرة: هل تعرفه جيدا؟

بوعلام: من؟

السكرتيرة[بنفاد صبر ولكن بأدب]:  صديقك فضيل.

بوعلام: طبعا أعرفه جيدا، عملنا معا عدة سنوات.

السكرتيرة:  كم عمره؟

بوعلام: سبعة وعشرون عاما.

السكرتيرة: ما وجبته المفضلة؟

بوعلام[مندهشا]: وجبته المفضلة! ماذا تقصدين؟

السكرتيرة[تقترب منه وتطوق بيدها كتفه]: أقصد ما أكلته المفضلة؟ ماذا يحب من الطعام ما دمت تعرفه؟

بوعلام[يحدث نفسه]: لأول مرة أسمع أحدا لا يسأل عن الإنسان وثقافته وأخلاقه، بل يسأل عن وجبته المفضلة. [يخاطب السكرتيرة]: حين كنت أدعوه في رمضان وفي المولد إلى المنزل، كان يحب المتوّم والشطيطحة والمدرْبَل.

السكرتيرة[بامتنان]: شكرا ياسي بوعلام.

[ يدق جرس الهاتف فتحمل السكرتيرة السماعة وتجيب بصوت منخفض غير مسموع، بينما يمسك بوعلام صحيفة موجودة على المكتب ويقلبها]

بوعلام [يقلب الجريدة منزعجا مرددا]: سبحان الله.

السكرتيرة[تغلق سماعة الهاتف]: ما بالك؟ [ يناولها الجريدة فتعلق ]: خبر عادي. تعيين سفير في إحدى الدول الأوربية.

بوعلام: كان هذا السفير صديقي العزيز وجاري في الحي وفي مقعد الدراسة. ظللنا معا حتى البكالوريا. أنا نجحت وهو لم ينجح. قال لي:" أريد أن أعمل في السياسة"، وقلت له: " أريد أن أعمل للثقافة".

دخلت الجامعة وتخرجت وأصبحت موظفا في المكتبة الوطنية. ودخل هو الحزب وتخرج رئيس بلدية ثم نائبا مرتين ولما لم ينجح في المرة الأخيرة عين عضوا في مجلس الأمة. وحين غضبوا عليه عينوه سفيرا. أصبحت لديه فيلا فخمة وسيارات له ولأولاده، وسفر إلى الخارج وراتب يعادل راتبي خمس عشرة مرَّة. أما ولداي لم يجدا عملا حتى الآن.

       كانت لدي سيارة بعتها. كان الراتب يكفيني وأوفر منه، أصبح لا يكفيني. كانت زوجتي تفخر بي وبثقافتي أمام الناس أصبحت تعيرني وتسألني: " لماذا لم تعمل في التجارة أو في السياسة كما يفعل القافزون؟"

والله لست حسودا ولكني أريد أن أفهم فقط.

السكرتيرة: الدنيا حظوظ يا سي بوعلام. [ تتنهد بحرقة وتتابع]: أنا ذاهبة لأشتري حبرا للطابعة ثم أمر على المنزل لأطمئن على أمي فنحن نسكن في الشقة التي فوق المكتب. [تخرج السكرتيرة].

بوعلام[ يرى شيئا يلمع في أرض المكتب فيحمله ويقلبه بين أصابعه]: ما هذا؟ خاتم! لا بد أنه خاتم  حسيبة. آه لو كان هذا خاتم سليمان، أمسحه فيخرج المارد ويلبي لي كل رغباتي. لأجرب، ماذا أخسر؟ يفرك الخاتم ويدعكه ثم يقول: رجل مثقف مثلي يجعله الفقر والحاجة خرافيا ينتظر معجزة تخلصه من همومه بدل أن يستعمل عقله. هزلت.

[يمسك الجريدة فينام على المكتب وتقع الجريدة من يده].

[تطفأ الأضواء]

المشهد الثاني

[ملاحظة: يمكن أن يكون هذا المشهد مسجلا على شريط كاسيت أو CD يسمعه الجمهور من خلال مكبر الصوت.]

 [ تضاء أنوار المكتب من جديد باللون الوردي. يمسك بوعلام بالخاتم ويرفعه بين أصابعه ليفحصه جيدا. فجأة تطفأ أضواء المسرح ثم تضاء فنرى أمامه رجلا ضخما يلبس رداء أسود ينحني أمامه ].

ذو الرداء الأسود [ هاتفا بصوت غليظ]: شبيك لبيك. عبدك وخادم الخاتم بين يديْك.

بوعلام [ يرتعد من الخوف ]: من أنت؟

ذو الرداء الأسود: أنا خادم الخاتم، أنا تحت أمرك، أنفذ كل ما تطلب. بماذا تحلم يابوعلام لأحقق لك حلمك؟

بوعلام: بماذا أحلم؟ أحلم أن تضيق الهوّة في الرواتب بين الموظفين والعاملين، ليس خمسة عشر ضعفا، ليعود لي احترام زوجتي وأولادي.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أن يكون معيار الكفاءة والإخلاص للوطن هما أساس التوظيف والترقية لا الإخلاص للحزب والسلطة.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أحلم أن أرى معنى للثقافة في هذا البلد، فأرى في الصحف مثلما أرى في البلدان الأخرى: "أين تذهب هذا المساء"، حيث تمتلئ العاصمة بالمسارح الجادة والكوميدية وبالنوادي الثقافية الأدبية والتشكيلية والموسيقية.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أحلم أن أرى في كل حي مكتبة يذهب إليها الأطفال والشباب والكبار. وفي كل حي ناديا رياضيا لكل الألعاب وليس لكرة القدم فقط وأن أرى الجمهور في الملاعب يصفق لكلا الفريقين ويخرج لاعبو الفريقين وجمهورهما متعانقين مهما كانت النتيجة.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أحلم أن أرى الناس مبتسمين في الشارع وأن أرى العائلات الجزائرية متماسكة كما كانت في الماضي والجيران متكافلين متضامنين في الرخاء والشدة كما كانوا من قبل.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام:أحلم أن ننتج غذاءنا في أرضنا فلا نستورد القمح والحليب والسكر والزيت والبطاطا من الخارج.

أحلم أن نصنع دواءنا بأنفسنا فلا نستورد الأدوية من الخارج بالملايير.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

أحلم أن يصبح لكل مواطن سكن ولكل شاب عمل ولا يعود هناك بطالون وحراقون.

أحلم أن تصبح المواصلات كالماء والهواء وان تختفي طوابير الانتظار على مواقف الحافلات والتاكسيات، وأن أرى سائق التاكسي لا يسألني عن وجهتي إلا بعد أن أركب ولا أسمع أبدا منه كلمة "ماشي طريقي".

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أحلم أن تصبح الجامعات الجزائرية مختبرا حقيقيا علميا وأدبيا للمجتمع ولنتاجه الأدبي والعلمي والصناعي والزراعي.

       أحلم أن تكون السينما والتلفزيون مرآة حقيقية للشعب فتنتج روايات الكتاب الجزائريين وتلحن وتغني قصائدهم ليتم التواصل بين الأدباء والفنانين والجمهور.

ذو الرداء الأسود: ها. وماذا أيضا؟

بوعلام: أحلم أن أرى الفلسطينيين متفقين يقاومون الاحتلال الصهيوني معا.

       أحلم أن أرى العرب متحدين متعاونين على غرار الاتحاد الأوربي، يواجهون العولمة بوعي وإدراك ويحلون مشاكلهم السياسية والاقتصادية بالحوار وبما يتماشى مع مصلحة الشعوب.

       أحلم أن أرى عالما يعيش بسلام دون حروب ومجاعات وصراعات دينية ومذهبية.

       هذه أهم الأحلام التي أرجو تحقيقها.

ذو الرداء الأسود: ها ها ها ها ها ها ها. تركتك تسترسل في أحلامك ولم أقاطعك، ولكني لا أقدر على تحقيق هذه الأحلام. ما أقدر عليه هو الحلم الفردي الذي يمكن تحقيقه بالمال والذهب، وأحلامك لا يقدر على تحقيقها إلا الإنسان. أنا أقدر على بناء الأحجار أبني لك فيلا أو قصرا أما بناء النفوس والعقول فلا أقدر عليه لا أنا ولا مليون مارد مثلي.

بوعلام: هل تعني أن أحلامي مستحيلة.

ذو الرداء الأسود: أحلام الشعوب ليست مستحيلة التحقيق، ولكنها لا تتحقق بالتمني بل بالجهد المتواصل والعرق الغزير ها ها ها ها ها ها ها.

[ تنطفئ الأضواء الوردية]

 

المشهد الثالث

[تضاء الأنوار العادية في المسرح فيختفي ذو الرداء الأسود ونرى بوعلام نائما على المكتب. يدخل فضيل.]

فضيل: [ يقترب من بوعلام وينادي]: بوعلام. بوعلام.

بوعلام [ يستيقظ مفزوعا]: مَنْ؟ أين المارد؟

فضيل:أي مارد؟ هل كنت تحلم؟

بوعلام: نعم. كنت أحلم بأن معي خاتم سليمان وأن مارد الخاتم في خدمتي.

فضيل: هل طلبت منه أن يبني لك قصرا وأن تصبح مليارديرا ولديك أموال لا تأكلها النيران؟

بوعلام: طبعا طبعا.

فضيل: أنا عطشان. هل عندك كأس ماء؟

بوعلام[ يشير بوعلام إلى جهة اليمين]: المطبخ من هنا وفيه ماء وكؤوس. [يخرج فضيل ويوجه بوعلام الكلام للجمهور]: ماذا أقول له؟ لو قلت له بأني أفكر في الآخرين لاتهمني بالغباء، فمن الطبيعي الآن أن يفكر الإنسان في نفسه فقط.

       [تدخل السكرتيرة].

السكرتيرة: هل تأخرت عليك؟

بوعلام: أبدا. هل هذا الخاتم لك؟

السكرتيرة [ بفرح]: نعم. أين وجدته؟

بوعلام: على الأرض.

السكرتيرة: حسبت أنه ضاع مني. وضعته في إصبعي لآخذه إلى لصائغ, إنه لأمي وقد اتسع على إصبعها وعلى إصبعي أيضا. هل تعتقد أن أجسامنا انكمشت وتقلصت؟

بوعلام: لا أبدا.الخاتم هو الذي اتسع وتمدد. ألا تعرفين القانون الفيزيائي الذي يقول إن المعادن تتمدد بالحرارة.

السكرتيرة: أية حرارة؟

بوعلام: حرارة المشاكل والغيظ والنكد.

[يدخل فضيل فيفاجأ برؤية السكرتيرة ويتغير وجهه ويتحفز للقائها لكن السكرتيرة تقترب منه باسمة لتعتذر].

السكرتيرة[بلطف بالغ]: أنا آسفة لما حدث مني وأعتذر فلم أكن أعرف....

فضيل[مقاطعا بعد أن فوجئ باعتذارها]: أنا الذي أعتذر فربما أخطأت...

السكرتيرة[مقاطعة]: لا لا، أنت لم تخطئ أبدا أبدا.

بوعلام[وكان يتابع حوارهما]: أنتما لم تخطئا. أنا وحدي المخطئ.

[تخرج السكرتيرة فيطلب بوعلام من فضيل أن يجلس  ثم تعود السكرتيرة بعد لحظة وهي تحمل وعاء ملفوفا بكيس بلاستيكي وتقدمه إلى فضيل].

السكرتيرة[بخجل ودلال]: هل تعرف السكران الطايح في الدروج؟

فضيل[مندهشا ومتسائلا]: هنا في العمارة؟ [باستنكار شديد] حاشا لله. أنا لا أعرف السكرانين.

بوعلام[ضاحكا]: سكران طايح في الدروج هي أكلة عاصمية.

فضيل[مبتسما]: الآن فهمت.

[يجلس بوعلام على الطاولة الصغيرة وينشغل بالتصحيح بينما يستمر الحوار بين فضيل والسكرتيرة]

السكرتيرة: إذا كنت فعلا لست غاضبا مني، أرجو أن تقبلها وأن تحبها كما تحب المتوم والمدربل.

فضيل: ولكن ما المناسبة؟

السكرتيرة: أنت صديق عمي بوعلام، وعمي بوعلام عزيز وغال علي.

[يرفع بوعلام رأسه حين يسمع هذا الكلام ويقول موجها الكلام للجمهور: "إن كيدهن عظيم"].

فضيل: وما أدراك أني أحب المتوم والمدربل؟

السكرتيرة: قلبي يقول لي بأن ما أحبه أنا تحبه أنت. [ بخبث ودلال]: أتراه يكذب علي؟

فضيل: لا أبدا فأنا أحب المتوم والمدربل فعلا.

السكرتيرة: أعد الوعاء فارغا لأملأه لك في المرة القادمة.[تخرج].

فضيل[ مخاطبا بوعلام]: حان وقت الغداء. سأذهب الآن وهنيئا لك بأطيب المآكل.

بوعلام[مندهشا]: أطيب المآكل! أنت تعرف أنني أسكن في عين النعجة ونحن في ساحة الشهداء فكيف أتغدى بأطيب المآكل.  

فضيل[بخبث]: السكرتيرة أعطتني الغداء، ووعدت أن تملأ الوعاء لي لأني صديق بوعلام، فما بالك ببوعلام نفسه. شهية طيبة وإلى اللقاء. [ يخرج فضيل].

بوعلام[ يخاطب نفسه بحيث يسمعه الجمهور]: يظن هذا المغفل بأنها تطبخ له لأنه صديقي ولا يدري أنها ترسم عليه لتوقعه في الشبكة.

[تدخل السكرتيرة وتخاطب بوعلام].

السكرتيرة: حان وقت الغداء يا سي بوعلام. سأذهب إلى الدار لأتغدى وأعود بعد نصف ساعة. بالمناسبة، إذا أردت الغداء هناك بيزيريا بقرب العمارة وأسعارها معقولة.

بوعلام[ببرود]: أعرفها وأتغدى فيها كل يوم.

السكرتيرة: شهية طيبة إذا. [تخرج].

[تطفأ الأضواء وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء فترة من الزمن]

 

 

 

المشهد الرابع

[تضاء الأنوار من جديد في المسرح. جرس الهاتف يرن وبوعلام مشغول بالتصحيح]

بوعلام: آنسة حسيبة! لماذا لا تردين؟

[ يتوقف جرس الهاتف]

بوعلام: الحمد لله. ردت أخيرا.

       [جرس الهاتف يرن من جديد ولا يتوقف]

بوعلام: آنسة حسيبة ردي على الهاتف.

[ يتوقف الرنين وتدخل السكرتيرة بعد لحظة]

بوعلام: لماذا لم تردي على الهاتف؟ هل أنت مريضة؟

السكرتيرة: لا أبدا. كنت مشغولة فلم أسمع الهاتف.

بوعلام[متعجبا]: ما العمل الذي شغلك إلى هذا الحد؟

السكرتيرة[ضاحكة]: لم أكن أعمل. كنت أقرأ كتابا مخطوطا لم يطبع بعد، لكنه كتاب طريف.

بوعلام: ما اسمه؟

السكرتيرة: اسمه "اخترت لك من المكتبة".

بوعلام[ينتفض فجأة ويضبط نفسه]: من المؤلف؟

السكرتيرة: لا أدري فليس عليه اسم المؤلف؟

بوعلام: كيف حصلت عليه؟

السكرتيرة: سلمه لي السيد دحمان وطلب مني أن أحتفظ به في درج مكتبي حتى يعود. تصفحت الكتاب فأغرتني كل عبارة وكل صفحة فيه، ولم أستطع المقاومة فحملته إلى المنزل وقضيت الليل ساهرة في قراءته. لكن أمي أجبرتني على النوم قبل أن أتمه لذلك أنا مشغولة ولن أستريح حتى أتمه.

بوعلام: هل هو مهم لهذه الدرجة؟

السكرتيرة: أنصحك بقراءته ياسي بوعلام. تصور ان الكاتب اختار عشرين حكاية مهمة من حكايات الشعوب العالمية ولخصها وعلق عليها وأبرز تشابه القيم فيها بأسلوب شيق ساحر يدفعك لقراءتها.

بوعلام: هل أعجبك حقا.

السكرتيرة: إنه رائع جدا. هل تريد الاطلاع عليه؟

بوعلام: أنت ترين أنني مشغول بالتصحيح، وليس لدي وقت للقراءة.

السكرتيرة: سي بوعلام. سأنزل لأرى صندوق البريد وأصعد حالا. هل تريد شيئا؟

بوعلام: لا يا آنسة حسيبة.

المشهد الخامس

[تخرج السكرتيرة ويجلس بوعلام يصحح وراء المكتب ثم تدخل امرأة في حوالي الخمسين من عمرها متوسطة الطول سمراء مستديرة الوجه عسلية العينين شعرها مغطى بمنديل أسود تبرز منه خصلة محناة تميل إلى البدانة، ترتدي ثوبا منزليا ورديا مطرزاً بالزهور. ينهض بوعلام لاستقبالها].

وردة: أين  حسيبة؟ لم أجدها في مكتبها.

بوعلام[ يتعجب من لباسها]: حسيبة نزلت لترى صندوق البريد. أي خدمة ياسيدتي؟

وردة: أنا أم  حسيبة.

بوعلام: تشرفنا ياسيدتي.

وردة[بدلال]: اسمي وردة. كان زوجي المرحوم يناديني "وردتي الجميلة التي لا تذبل أبدا" [ تؤكد على كلمة أبدا]. صدق المسكين فهو ذبل ومات وظللت وردة مفتحة [تزيل المنديل قليلا عن شعرها لتصلحه وتملسه]: ألا تراني كذلك؟

بوعلام[بينه وبين نفسه]: أراك عجوزا متصابية.

وردة: ماذا؟ لم أسمع.

بوعلام: طبعا طبعا. أنت وردة مفتحة.

وردة: اسمح لي لأني دخلت بثوب المنزل فنحن نسكن هنا.

بوعلام: أعلم ياسيدتي وأهلا بك. أنا....

وردة[تقاطعه]: أعرف من أنت. أنت السيد بوعلام، أرمل وليس لك أولاد وتنام في الحمام وتحب المتوّم والمدربل.

بوعلام[مندهشا]: أنا! من قال لك هذا؟

وردة: ابنتي حسيبة لا تخفي عني شيئا. هل أعجبتك أكلة السكران الطايح في الدروج. أنا التي طبختها بيدي.

بوعلام: السكران الطايح في الدروج؟ هناك خطأ ياسيدتي. لست أنا المقصود فأنا متزوج و....

[تدخل  حسيبة وتسمع الحديث وتتدخل].

السكرتيرة: مرحبا يا أمي.

وردة: تعالي يا حسيبة. بوعلام يقول إنه متزوج.

السكرتيرة: يقصد انه كان متزوجا قبل أن تنتقل زوجته إلى رحمة الله.

       [تلتفت وردة إلى بوعلام فتشير إليه حسيبة متوسلة بأن يصادق على ما تقول].   

بوعلام: نعم. رحمة الله عليها. ولكن الأولاد.

وردة: أي أولاد.

[تشير إليه  حسيبة متوسلة].

بوعلام: ليس لي أولاد، [ ينظر إلى  حسيبة موجها الكلام لها]: إنما مسألة النوم في الحمام صعبة قليلا.

السكرتيرة[تتوسل إليه من جديد بالإشارة]: طبعا صعبة. النوم في الحمام ليس سهلا.

وردة: طبعا. لماذا لا تتزوج فتستريح من الحمام وتجد سريرا ناعما وطعاما شهيا.

بوعلام: أتزوج!

وردة: نعم. هناك نساء محترمات أرامل. تكون مثلا أرملة ولديها فتاة وحيدة على وشك الزواج.

بوعلام[مخاطبا حسيبة]: من يربط العقدة هو الذي يحلها. قولي لأمك لماذا لا أستطيع أن أتزوج.

السكرتيرة: هو لا يستطيع أن يتزوج أبدا يا أمي.

وردة: لماذا؟

السكرتيرة[تبحث عن سبب مقنع]: لأنه..لأنه..

وردة: لأنه ماذا؟ قولي ولا تخافي.

السكرتيرة: لأنه مريض بالقلب، وهناك خطر على حياته إذا تزوج.

بوعلام: صحيح. منعني الطبيب عن الزواج وأنذرني إذا تزوجت سأصاب بالسكتة القلبية.

وردة: مسكين. ولكن لا تنزعج. نحن نعرف الواجب. اعتبرني أختا لك وحسيبة ابنتك، ودارنا مفتوحة لك في أي وقت.[ تلتفت إلى حسيبة]: اهتمي برعايته ياابنتي لأنه مريض. سأعود إلى الدار فتعالي بعد قليل لتحضري له الغداء.

السكرتيرة: نعم يا أمي.

[تخرج وردة وتنظر السكرتيرة إلى بوعلام بخجل وينظر إليها نظرة عتاب ثم تقترب منه خافضة الرأس].

بوعلام[بلهجة عتاب]: جعلتني أرملا بدون أولاد ومريضا بالقلب وأنام في الحمام.

السكرتيرة: كنت مضطرة للكذب على أمي فسامحني. لو قلت لها بأن الطعام لشاب في مثل سني لوبختني، فالشاب هو الذي يهدي الفتاة في نظرها.

بوعلام: سامحتك ، وأرجو أن يوفق الله بينك وبين فضيل.

السكرتيرة[متوسلة]: أرجوك، لا تنقل له ما حدث، ولا تخبره أن أمي هي التي تطبخ.

بوعلام: لا تخافي ياآنسة حسيبة فلست عذولا لأفسد بين المحبين.

السكرتيرة: عمي بوعلام أنت في مقام أبي فنادني ياابنتي! سأحضر لك فنجان قهوة.

بوعلام: شربت قهوة في المقهى قبل أن آتي.

السكرتيرة: قهوة المقهى مغشوشة بالحمّص. قهوتنا أصلية محمّصة ومطحونة في المنزل. كلما احتجت إلى قهوة اطلبها مني.

بوعلام: لا أريد أن أتعبك، ثم إني استحي أن تحضري لي القهوة وأنت جامعية.

السكرتيرة: وهل يستحي الأب من ابنته. أنا أخدمك بعيوني.

بوعلام: شكرا لك يا ابنتي.

[تطفأ الأضواء وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء فترة من الزمن]

 

المشهد السادس

[تفتح الستارة مرة أخرى على مكتب دار السبع للنشر ونرى بوعلام قد غير بدلته الرمادية بأخرى بنية ولكنها تبدو قديمة ومهترئة. وهو يصحح على طاولته الصغيرة]. تدخل السكرتيرة ترتدي ثوبا بنفسجيا جميلا رغم أنه يبدو مستعملا وقد غيرت تسريحة شعرها].

بوعلام[ يضرب كفا بكف مرددا]: لا حول ولا قوة إلا بالله. في أي زمن نحن.

السكرتيرة: ما بك يا عمي؟

بوعلام: هذه فتاة اسمها أنغام تدعي انها شاعرة وتريد أن نطبع لها مجموعتها بل سخافاتها وحماقاتها. اسمعي[ يقرأ من المجموعة الشعرية]:

إلى عتباتِ اللاوعْيِ أبحرتُ في صمتِ

وقد شاهدتُ فلماً رومانسياً ليلةَ السبتِ

قولي بصدق: هل هذا شعر؟ [يقلب أوراق المجموعة ثم يهز رأسه مستنكرا ويقول للسكرتيرة]: اسمعي هذه:

الورد ياحـبيـبي      يـغار من طيوبي

والبدر مات غيظا    من حسني العجيبِ

وشكا إلى الطبيبِ

 تتغزل بجمالها وتدعي أن البدر [يصيح بانفعال]: مات غيظا. بل أنا الذي أكاد أموت غيظا. لو أني أرى هذه المخلوقة الغبية وأفهمها معنى الشعر. سأرمي المجموعة في وجهها وأقول إنها ليست صالحة للنشر ومليئة بالأخطاء اللغوية.

السكرتيرة: لكن السيد دحمان حريص على طبع مجموعتها.

بوعلام[يهز رأسه مرددا]: أعرف، أعرف فقد أوصاه بها أحد أصحاب النفوذ. كلما رأى أحدهم امرأة جميلة يضعف أمامها وينفذ كل رغباتها. ولكن هم يتلاعبون بالشعر وبالأدب.

       [ يدخل فضيل وبيده اليمنى جريدة وكتاب وبيده اليسرى الكيس البلاستيكي الذي أخذ فيه وعاء الطعام. يلقي السلام، ثم يقدم للسكرتيرة الكيس البلاستيكي والكتاب].

فضيل: السلام عليكم.

بوعلام: وعليكم السلام. أهلا فضيل.

السكرتيرة: ما هذا؟

فضيل: هذا الوعاء الفارغ.

السكرتيرة: أقصد هذا الكتاب.

فضيل: إنه هدية بسيطة.

السكرتيرة[تقرأ بصوت عال]: قصة الفلسفة.

فضيل: أعجبني هذا الكتاب كثيرا فأحببت أن تقرئيه.

       [ تهم السكرتيرة بالخروج فتسمعهما يتحدثان عن جريدة الضحى فتتلكأ عند الباب قليلا ثم تخرج].

بوعلام[مازحا]: أراك تحمل جريدة "الضحى."هل أصبحت من قرائها ؟ أعتقد أن رقمك سيكون الخامس أو السادس ممن يقرؤونها في العاصمة.

فضيل[بلهجة جادة]: هل تعلم أن أعداد الأمس من الضحى نفدت من العاصمة كلها، بل إن أعدادها نفدت من الجزائر كلها.

بوعلام:  أنت تمزح دون شك. من يقرأ هذه الجريدة؟

فضيل:" أنا لا أمزح. زارنا اليوم في المكتبة محاسب جريدة الضحى، وهو الذي أخبرنا بذلك. اتصل بالموزع فأعلمه بأن كل الأعداد بيعت ولا يوجد مرتجعات. ولأول مرة يحدث هذا في تاريخ الجريدة ولا أحد يعرف السبب.

بوعلام: وهل استطعت حل هذا اللغز؟ لعل فيها خبرا هاما لفت نظر الناس".

فضيل: استعرت العدد من أرشيف المكتبة، وأحاول معرفة السبب الذي يدفع الناس إلى شراء كل أعداد الجريدة. انظر بنفسك ليس فيها خبر ملفت للنظر وقد نفدت منذ الساعات الأولى من صباح الأمس، مع أن أعداد اليوم مكدسة كالعادة عند بائعي الصحف. [ يناوله الجريدة].

بوعلام [يتناول الجريدة قائلا]: ربما نشرت الجريدة فضيحة أراد صاحبها أن يتستر عليها فاشترى الأعداد كلها.

فضيل: لم تنشر الجريدة أي فضيحة، لكن هناك إعلانا يهمك. افتح الصفحة الخامسة وانظر إلى الزاوية اليمنى.

بوعلام[ يفتح الجريدة على الصفحة الخامسة ويقرأ]: تعلن جمعية المنارة الذهبية عن إجراء مسابقة لاختيار أحسن كتاب لهذا العام".

فضيل: ليس هناك شروط سوى تقديم العمل مرقونا في ثلاث نسخ خلال أسبوعين. وقيمة الجائزة مليونا دينار مع طباعة عشرة آلاف نسخة من الكتاب الفائز".

بوعلام: أراهن أن هذه المسابقة مفصلة على مقاس كاتب معين ففي العادة تعطى مدة كافية للكتاب لتقديم أعمالهم وتنشر على نطاق واسع في معظم الصحف وليس في جريدة الضحى. أنا لا أثق بالجوائز ولا بهذه الجمعية، ورئيسها لا علاقة له بالأدب أصلا.

فضيل: لا تتعجل إصدار الأحكام. مكتوب في الإعلان أيضا أن الدكتور ناصر المدني هو رئيس اللجنة ودحمان أحد الأعضاء. ألا تثق بهما.

بوعلام: طبعا أثق بالدكتور ناصر ولكني لا أثق بغيره.

فضيل: اشترك في المسابقة وقدم عملك فإذا وجدنا أن هناك لعبة قذرة كشفناها.

بوعلام: لا بد أن أنتظر عودة دحمان فلديه نسخة كتاب "اخترت لك من المكتبة" الذي سأشترك به.

فضيل: هو موجود عندي في الحاسوب فأنا الذي رقنته. سأخرج ثلاث نسخ.

بوعلام: شكرا لك، ولكن ما رأيك أن نبدل العنوان ما دام دحمان عضوا في اللجنة؟

فضيل: لا بأس. ما العنوان الذي تقترحه؟

بوعلام[يفكر ثم يقول]: "مختارات من حكايات الشعوب".

 فضيل: عنوان جميل ومناسب.[ يخرج من جيبه قلما ودفترا صغيرا ويسجل وهو يردد بصوت مسموع]: "مختارات من حكايات الشعوب". أنا ذاهب الآن وأرجو لك النجاح.

بوعلام: مع السلامة.

       [يخرج فضيل وتدخل السكرتيرة تحمل ملفا].

المشهد السابع

السكرتيرة: سمعتكما تتحدثان عن عدد الأمس من جريدة الضحى، وأنها مفقودة في السوق. إذا أردت عندي منها الكثير.

بوعلام: [ بفضول شديد]: صحيح! من أين أتيت بها؟

السكرتيرة: أحضرها بعض العمال وطلب مني السيد دحمان أن أحتفظ بها مدة أسبوعين في المخزن.

بوعلام: ألم تسألي عن السبب؟

السكرتيرة: أنا سكرتيرة أنفذ الأوامر ولا أحاول أن أفهم حتى لا ينقطع رزقي. [تناوله الملف الذي تحمله قائلة]: هذا الكتاب للتصحيح وهو مستعجل جدا. فرغت توا من كتابته بالحاسوب.

بوعلام: لماذا الاستعجال؟

السكرتيرة: أخبرني السيد دحمان بأننا سنطبع منه عشرة آلاف نسخة.

بوعلام[ باندهاش]: عشرة آلاف نسخة! لماذا؟ هل هو مقدمة ابن خلدون؟

السكرتيرة: لا أدري، ولكن رئيس جمعية المنارة الذهبية هو الذي أرسله واتفق بشأنه مع المدير. [تخرج  حسيبة].

[ملاحظة: يمكن أن يكون الحديث الآتي لبوعلام مع نفسه مسجلا على شريط كاسيت أو CD يسمعه الجمهور من خلال مكبر الصوت.]

بوعلام[ يفكر ويتحدث بصوت عال]: جمعية المنارة الذهبية. عشرة آلاف نسخة. الآن فهمت. جريدة الضحى التي نشرت إعلان المسابقة جُمِعَتْ من السوق حتى لا يقرأها أحد. وهذا الكتاب هو الذي سيفوز. المسابقة إذا مطبوخة، مفصلة ومخيطة على المقاس ودحمان هو عضو لجنة التحكيم. [يتردد قليلا ثم يتابع]: لكن الدكتور ناصر إنسان نزيه ولا يقبل بهذا. المهم وداعا للجائزة، ولأحلام الثروة والشهرة. أنا مجرد مصحح لغوي ويجب أن أهتم بعملي. [يجلس على مكتبه الصغير ويمسك الكتاب والقلم ليصحح. ينهض فجأة وتبدو الدهشة على وجهه. يقلب صفحات الكتاب ويقول]: أين قرأت هذا الكلام؟ أين؟ أين؟ تذكرت. إنه كتاب "كفاح رجل" المترجم من الهندية. هو موجود مع كتب العلوم السياسية في قسم العلوم الاجتماعية. في الرف الثاني على اليمين رقم 950. قضيت ستا وثلاثين سنة في المكتبة، أصبحت أعرف كل كتاب، شكله ولونه ورائحته ومؤلفه أو مترجمه وفي أي سنة طبع ودار النشر التي أصدرته والمطبعة التي طبع بها وفي أي بلد وعدد الطبعات. الفصل الأول مسروق بالحرف والفصل الثاني والثالث أيضا مع تغيير بعض الأسماء والوقائع.

       يجب أن أتصل بالدكتور ناصر وأخبره بهذه السرقة. [يفتح دليل الهاتف ويخرج رقم الدكتور ناصر. يمسك جهاز الهاتف ويتردد ثم يتساءل أمام الجمهور]: أنا أعمل في هذه الدار. اطلعت على أسرار ولكن علي أن لا أفشيها لأنها أسرار المهنة ففي إفشائها خيانة. ولكن إذا احتفظت بسر المهنة أصبح مشاركا في السرقة. ماذا أفعل؟ علي أن أستشير أحدا. سأستشير السكرتيرة.[يمشي خطوة في اتجاه الباب ثم يعود محدثا نفسه]: السكرتيرة ليس لها رأي لأنها تنفذ الأوامر دون أن يكون لها حق في التفكير. ستقول لي: افعل ما يقوله لك دحمان ولا تناقش. عندي فكرة. سأستشير الجمهور. [ يخاطب الجمهور]: ما رأيكم أنتم؟ هل أسكت وأحتفظ بسر المهنة أم أبلغ عن السرقة؟ [ يحاول أن يسمع رأي الجمهور]: رأيكم ألا أبلغ؟ أن أبلغ؟ رأي الأكثرية أن أبلغ. سأبلغ إذا.

[ يتجه إلى المكتب ويمسك سماعة الهاتف ويطلب الرقم]: ألو الدكتور ناصر. يهمني أن أخبرك أن كتاب " كفاح عصامي" للدكتور وجيه القصاب مسروق من كتاب مترجم عن الهندية اسمه "كفاح رجل".

..........................................................

 بوعلام: من أنا؟ مواطن يريد إحقاق الحق.

............................................................

بوعلام: ماذا؟ لا اتهام دون دليل. سيكون عندك الدليل غدا.[ يضع سماعة الهاتف ويقول]: سأتصل الآن بفضيل ليحضر لي الكتاب من المكتبة الوطنية.

[تدخل السكرتيرة]

 

المشهد الثامن

السكرتيرة: الشاعرة أنغام تسأل عن مجموعتها الشعرية.

بوعلام[ بلهجة المتحفز]: ممتاز. أتت برجليها. أدخليها سوف ألقنها درسا لن تنساه لا هي ولا أشباه الرجال الذين يضعفون أمام أمثالها. أدخليها فسوف أرمي أشعارها في وجهها وأقول لها الحقيقة.

السكرتيرة: لا يا عمي بوعلام. سيغضب السيد دحمان. من الأفضل ألا تستقبلها. سأخبرها أن تعود عندما يعود السيد دحمان من السفر.

بوعلام[ بحزم]: لا يا ابنتي أدخليها فليس هناك مجاملة في الشعر والأدب.

السكرتيرة[مستسلمة]: كما تريد.

[ يقف بوعلام بقامة منتصبة متجهم الوجه مستعدا لاستقبالها. تدخل فتاة في أوائل العشرينات طويلة سمراء جذابة ذات وجه مستدير وعينين سوداوين نجلاوين وكأنهما مكحولتان وفم صغير وأنف دقيق وشعر كستنائي متموج ينساب على جيدها المتميز وكتفيها المتناسقتين. ترتدي ثوبا ورديا بسيطا تبدو فيه وكأنها وردة جورية. كل ما فيها متناسق ومبهج. تحمل حقيبة يد وردية متوسطة الحجم. يقف بوعلام مبهورا فاغر الفم برهة لا يتحرك وعيناه معلقتان عليها. تقترب منه فيبقى مذهولا].

أنغام[تناديه ]: أنت.

[ تحرك يدها أمام عينيه لتلفت نظره فيبقى كما هو. تمسك به وتحركه بقوة].

بوعلام[يفيق من ذهوله فجأة حين تحركه هاتفا]: أين أنا؟ ماذا حصل؟

أنغام: هل أنت مريض؟ هل تحس بدوار؟

بوعلام[ينظر إليها]: نعم أحس بدوار لم أحس به من قبل. سبحان الخالق البارئ المصور المبدع المكون لا إله إلا هو الخلاق العظيم.

أنغام[ هامسة بدلال وبصوت موسيقي ناعم]: هل قرأت مجموعتي الشعرية؟

بوعلام: مجموعتك الشعرية؟ طبعا طبعا.

أنغام: ما رأيك فيها؟ هل ستنشرونها؟

بوعلام[يبتعد قليلا ويخاطب نفسه بحيث يسمعه الجمهور ولا تسمعه أنغام]: عيناك تقولان لي: "انشرهاوثلاثمائة مليون عربي يقولان لي: "لا تنشرها".

في الحقيقة عيناك أقوى من ثلاثمائة مليون يقرأ منهم أقل من مليون. ربما نصف مليون. ربما لا أدري. الأمية متفشية ولا أحد يقرأ. ما دام لا أحد يقرأ فلا مانع من نشرها.

أنغام[ بدلال]: لم تقل لي بعد. هل أعجبك شعري؟

بوعلام[ مأخوذا]: عيناك شلالان من نور يبهران العين والروح والقلب ويملآنها بهجة وحبورا. ما أعذب الشعر الذي تقوله عيناك. واللآلئ التي نثرتها من ثغرك الآن كلها شعر. وشَعْرُكِ تفعيلات متماوجة من الطويل والوافر والكامل والمنسرح. أما جيدك فهو عمود الشعر. أنت الشعر الحي المجسم. أنت شاعرة ياآنسة وكل ما فيك ينبض بالشعر. ما قيمة اللغة والحروف الجامدة البلهاء؟ الشعر الحقيقي هو أنت.

أنغام: أنا لا أسألك عني بل عن الشعر الذي كتبته.

بوعلام: أنا لست مسؤولا عن النشر، ومجموعتك سينشرها السيد دحمان.

أنغام: أعرف ذلك، ولكني مصرة على سماع رأيك أنت.

بوعلام: [ يتردد قليلا ثم يتشجع ويقول]: سأكون صريحا معك ياابنتي؛ أنت شاعرة بجمالك ولكنك تكتبين شيئا رديئا لا هو بالشعر ولا هو بالنثر، وشتان بين جمالك المتدفق الدافئ، وعبارات هذه المجموعة الباردة الجامدة التي لا حياة فيها ولا روح. أنصحك يا ابنتي أن تجدي طريقا آخر غير الأدب فلن تنجحي فيه.

أنغام: غريب. أنت أول من يقول لي هذا الكلام. السيد غانم رئيس جمعية المنارة الذهبية أبدى إعجابه به ووعد بنشره وكثيرون انبهروا به إلا أنت.

بوعلام: يا ابنتي هم ينبهرون بجمالك فينافقونك ليتقربوا منك.

أنغام[ تغير لهجة الدلال وتخاطبه بصورة طبيعية]: شكرا على هذه النصيحة الغالية. أنت فعلا رجل عظيم.

بوعلام: عفوا يا ابنتي.

أنغام: سأعترف لك بالحقيقة لأنك رجل شهم. اسمي الحقيقي لطيفة وليس أنغام، أنا صحفية تخرجت حديثا ولست شاعرة. ألا تذكر الصحفية التي أجرت حديثا هنا قبل أسبوع؟

بوعلام: نعم أذكرها.

أنغام: انا هي.

بوعلام[غير مصدق]: لا. تلك كانت طرشاء وعمياء.

أنغام[ضاحكة]: اضطررت أن أتظاهر بذلك لأن جريدة المرآة التي كنت أتدرب فيها أرسلتني لأجري حديثا مع السيد دحمان. وكنت أعلم أن مجموعتي الشعرية ستطبع هنا.

بوعلام: ما دمت تعترفين بأنك لست شاعرة، لماذا تريدين طبعها؟

أنغام: ما يوجد في هذه المجموعة كتبته في أسبوع واحد وأخذتها إلى هذا السيد الذي كتب على مجموعة صديقتي الشعرية قبل أشهر "غير صالحة للنشر" مع أنها شاعرة ممتازة.

بوعلام: ربما كانت غير صالحة للنشر فعلا.

أنغام: كانت شاعرة موهوبة باعتراف كل أساتذة الثانوية وكل من قرأ لها.لكنه رفض مجموعتها لأنها ليست جميلة وسبب لها صدمة جعلها تفقد الثقة في نفسها وتتأتئ في الكلام. وعرفت الحكاية وقررت أن أنتقم لصديقتي من هذا الرجل الذي كان ينشر الرديء ويترك الجيد لأغراضه الدنيئة، وأكشف بعض الذين يفسدون الأدب والشعر. أردت أن أنشر شيئا لا علاقة له بالشعر ثم أفضح من نشروه في أول خبطة صحفية لي. سجلت له بهذه المسجلة[تشير إلى حقيبة يدها] تغزله بي وتصريحه بأن شعري هو أعظم وأجمل ما قرأه من شعر المرأة العربية، وأن مجموعتي الشعرية فتح جديد في عالم الشعر الحديث.

بوعلام: من هو هذا الرجل؟

أنغام: غانم جبري رئيس جمعية المنارة الذهبية، وهو مدع لا يفهم في الشعر ولا في الأدب. هل تعرفه؟

بوعلام: أنا لا أعرفه، ولكني أنصحك ياابنتي ألا تبدئي حياتك المهنية بالانتقام ولا حياتك الصحفية بالفضائح. صحيح أن صديقتك ظلمت ولكنها لا بد أن تجد من ينصفها. اتركي الفضائح لغيرك وركزي على النقاط المضيئة في المجتمع. اختاري موهوبين مظلومين وسلطي الضوء عليهم، وابدئي بصديقتك وأنصفيها بقلمك وعرفي الناس بها.

أنغام: كان في مخططي أن أضيف دار النشر إلى قائمة الفضائح ولكني محتارة الآن لا أدري ماذا أفعل.

بوعلام: فكري فيما قلته لك ياابنتي. وستبقى المجموعة عندي حتى تتخذي قرارك.                

أنغام: سأفكر جديا ولكني لا أعدك بشيء.

[تطفأ الأضواء وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء الزمن]

 

المشهد التاسع

       [تضاء الأنوار من جديد في مكتب دار السبع للنشر ونرى بوعلام يرتدي من جديد بدلته الرمادية وهو يصحح على طاولته الصغيرة. يدخل فضيل].

بوعلام: طمئني. ما الأخبار؟ هل وجدتم الكتاب؟

فضيل: منذ عشرة أيام ونحن نبحث عن النسخة الثانية ولم نجدها. النسخة الأولى أضاعها من استعارها والنسخة الثانية مسروقة. لم تقل لي لماذا تريد الكتاب؟

بوعلام: لم يعد ذلك مهما.

فضيل: بل مهم بالنسبة لي. يجب أن أعرف.

بوعلام: أنت لم تخبرني عمن استعار الكتاب وأضاعه.

فضيل: اسمه مسجل لدينا ولكنك لم تسألني عنه.

بوعلام: لم أسألك لأني أعرفه. هو الدكتور وجيه القصاب.

فضيل: بالفعل، استعار الكتاب منذ ستة أشهر وضاع منه. سرق مع بعض الأغراض من سيارته. كيف عرفت؟

بوعلام: لأنه سرق ثلاثة فصول من الكتاب ووضعها في كتاب تقدم به إلى المسابقة. والسيد دحمان اتفق مع جمعية المنارة الذهبية على طبع عشرة آلاف نسخة من الكتاب، وأنا الذي أصححه.

فضيل: هذا يعني بأن الكتاب لم يسرق منه كما ادعى.

بوعلام: وهذا يعني أن سارق النسخة الثانية من المكتبة هو نفسه.

فضيل: لن نسكت. لا بد أن نفعل شيئا، فستجتمع لجنة المسابقة بعد ثلاثة أيام.

بوعلام: لن نستطيع اتهام الدكتور وجيه دون دليل.

فضيل: لكننا نستطيع كشف تزوير المسابقة للرأي العام.

بوعلام: كيف؟

فضيل: نرسل توضيحا لكل الصحف بأن المسابقة مشبوهة وأن الإعلان عنها نشر في جريدة الضحى وحدها واختفى عددها الذي نشر الإعلان من السوق بصورة تدعو إلى الشك، ونرى ردود الفعل.

بوعلام: وباسم من نوقع التوضيح.

فضيل: سأوقعه باسمي، وأرسله لكل الصحف بالبريد الإلكتروني.

[تطفأ الأنوار وتعزف الموسيقى دلالة على انقضاء فترة من الزمن]

 

المشهد العاشر

[تضاء الأنوار من جديد فنرى السيد دحمان يحمل محفظة جديدة يدخل إلى مكتبه وهو يرتدي بدلة جديدة زرقاء وتدخل وراءه السكرتيرة]

السكرتيرة: حمدا لله على سلامتك يا سيدي.

دحمان: هل كل شيء على ما يرام؟

السكرتيرة: نعم ياسيدي. بوعلام يتغدى في البيزيريا التي بجانب العمارة، وسيعود  بعد قليل. سأحضر لك الملف الأصفر الذي طلبت مني أن أذكرك به عند عودتك.

 [تخرج ثم تعود حاملة الملف].

دحمان: هل رآه أحد عندك؟

السكرتيرة: لا يا سيدي.

دحمان[يتناول الملف ويكتب عليه بالقلم الأحمر وهو يسأل]: ألم يجهز مكتب بوعلام بعد؟

السكرتيرة: لا ياسيدي. أخذ المقاول العمال بعد ذهابك ليعملوا في مشروع آخر.

دحمان[متضجرا]: لا يمكنك أن تثق بأحد هذه الأيام.

السكرتيرة: هل تريد شيئا ياسيدي.

دحمان: لا. عودي لعملك.

[يدخل بوعلام]

بوعلام: صباح الخير. حمدا لله على سلامتك.

دحمان: شكرا يا بوعلام. [يناوله الملف الأصفر]

بوعلام[يقرأ ما كتب على الملف]: غير صالح للنشر.[يسأله]: هل قرأته؟

دحمان: لا وقت لدي للقراءة. هذا رأي اللجنة وقد أرسلوه لي من وزارة الثقافة قبل قليل. [يحمل محفظته ويتأهب للخروج]: لدي اجتماع هام في جمعية المنارة الذهبية. إذا احتجتم لشيء اتصلوا بي هناك.

[يخرج دحمان وتدخل السكرتيرة فترى الملف الأصفر في يد بوعلام]

السكرتيرة: هل أعطاك الملف الأصفر للتصحيح؟

بوعلام[يتردد ثم يقول]: نعم.

السكرتيرة: لا تنزعج فليست فيه أخطاء وستستمتع به كثيرا. صدقني. [تتردد ثم تقول]: حين أخذه مني قبل قليل كتب عليه شيئا بالقلم الأحمر، ربما يكون اسم الكاتب.

بوعلام: لا. كتب عليه كلمة "صالح للنشر".

السكرتيرة[مندهشة]: صالح للنشر! طبعا صالح للنشر.

[يدخل فضيل يحمل في يده كتابا]

 

المشهد الحادي عشر

فضيل: مساء الخير.

السكرتيرة[تبتسم في وجهه]: مساء الخير.[ تخرج]

بوعلام: أهلا فضيل. تعال. ما هذا الكتاب الذي في يدك؟ [يتناول بوعلام الكتاب ويقرأ بصوت واضح]: "العولمة ورهانات المستقبل". هل قرأته؟

فضيل: لا. أحضرته هدية لحسيبة.

بوعلام[مندهشا ومستنكرا]: هدية لحسيبة! أهديتها قصة الفلسفة واليوم تهديها العولمة ورهانات المستقبل.

فضيل: أردت أن أثقفها.

بوعلام: ما يهمها قصتها معك وليس قصة الفلسفة ومستقبلكما معا وليس مستقبل العولمة. لا تعطها هذا الكتاب وأهدها في المرة القادمة شيئا مناسبا.

فضيل: مثل ماذا؟

بوعلام: زجاجةعطر مثلا، خاتم، قرط، وليس من الضروري أن يكون ذهبا.

فضيل[محيرا ومتسائلا]: ألا تهدى الكتب إلى المرأة ؟

بوعلام: طبعا، يمكن أن تهديها مجموعة شعرية لنزار قباني أو غيره، رواية رومانسية.

فضيل: هذا يعني أن الكتب الثقافية الدسمة لا تناسب المرأة.

بوعلام: من قال هذا؟ لكل مقام مقال. نحن نتحدث عن الهدية المناسبة بين حبيبين ولا نتحدث عن الثقافة.[يغير الموضوع]: هل هناك أخبار جديدة عن المسابقة؟

فضيل: سمعت أن كثيرا من الكتاب قدموا لها بعد أن اضطرت الجمعية للإعلان عنها في معظم الصحف وتمديد مدة قبول الطلبات.

بوعلام: هذه نتيجة البيان الذي أرسلته إلى الصحف.

فضيل: ولكن مع الأسف لم نجد الكتاب المفقود.

بوعلام: لا يهم فلن يستطيعوا التزوير ما دام يشارك فيها عدد كبير من الكتاب.

فضيل: لست مطمئنا. [ ينهض فجأة]: انتظر لحظة. تذكرت شيئا.

بوعلام: ماذا؟

فضيل: الميكروفيلم. سأكلم بهيجة. هل تسمح؟

بوعلام: طبعا. ولكني أريد أن أفهم.

فضيل: أنت تعلم أننا نصور المخطوطات والكتب النادرة بالميكروفيلم، وإذا اعتبر هذا الكتاب نادرا وصور فسنجد صورته ونستخرجه.

بوعلام: صحيح. كيف نسيت هذا.

فضيل: هل أرسل منه نسخة للدكتور ناصر؟

بوعلام: لا. ليس الآن. لو أرسلناها الآن لاختلف معهم الدكتور ناصر وربما ألغيت المسابقة.

فضيل: متى نرسله إذا؟

بوعلام: بعد شهر في يوم المداولات بالضبط، هذا إن وجدتم صورة الميكروفيلم. 

ستار

 لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الثالث

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الأول

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: هموم الكاتب بوعلام

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات