الفصل الرابع

من مسرحية: هموم الكاتب بوعلام

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهد الأول

[يفتح الستار على مكتب دار السبع للنشر ونرى دحمان يدخل إلى غرفة المكتب والسكرتيرة وراءه].

دحمان: أين بوعلام؟

السكرتيرة: ذهب إلى الصيدلية ليشتري دواء لزوجته ولن يتأخر، وبالمناسبة أرجو أن تمنحني إجازة هذا المساء.

دحمان: لماذا؟

السكرتيرة: لدينا ضيوف في المنزل وأريد أن أساعد أمي. ولكني لن أذهب قبل حضور بوعلام.

دحمان: تستطيعين أن تذهبي الآن فليس لدينا عمل هام اليوم.

السكرتيرة: شكرا لك يا سيدي. [تخرج]  

[ يدخل الدكتور ناصر يحمل محفظته ومعه ابنه طارق في العاشرة من عمره فيرحب بهما دحمان].

دحمان: أهلا دكتور ناصر. هذه مفاجاة سارة. لم أتوقع أن تزورني في مكتبي.

 [يتصافحان].

دكتور ناصر: أهلا بك. [يقدم له ابنه طارق]: ابني طارق.

[يسلم دحمان على طارق]

دحمان: ما شاء الله. أصبح شابا.

دكتور ناصر[يشير لابنه أن يجلس على مكتب بوعلام]: اجلس هناك ياطارق واقرأ القصة التي اشتريتها الآن. [يخاطب دحمان]: أنا عاتب عليك. لماذا لم تخبرني بأن رابح الجائزة يعمل هنا.

دحمان: من رابح الجائزة؟ وأية جائزة؟

دكتور ناصر: بوعلام محفوظ الفائز بجائزة المنارة الذهبية.

دحمان[بابتسامة استنكار]: أنت مخطئ. هناك تشابه في الأسماء. لدي فعلا مصحح يعمل هنا اسمه بوعلام، لكنه ليس المقصود فهو مصحح لغوي، ولا يمكن أن يكون الفائز.

دكتور ناصر: لكنه ذكر في الاستمارة عنوانه هنا في دار السبع للنشر.

دحمان: عجيب وغريب.

[يدخل بوعلام فيستقبله دكتور ناصر بحفاوة]

دكتور ناصر[ينهض محييا]: أهلا أستاذ بوعلام. كيف حالك؟

بوعلام: الحمد لله دائما.

دكتور ناصر: كنت أعرف اسمك الأول بوعلام ولم أكن أعرف لقبك.

دحمان[مخاطبا الدكتور ناصر]: أتعرفه؟

[يرفع طارق ابن د. ناصر رأسه وينتبه إلى المحاورة بين أبيه ودحمان عن بوعلام]

دكتور ناصر: ومن لا يعرف السيد بوعلام إنه نجم حقيقي، موسوعة معرفة متحركة، يعرفه رواد المكتبة الوطنية من الباحثين والأساتذة وكلهم استناروا بضيائه وأحسوا بدفئه. كان قبل شيوع الأنترنت هو وزملاؤه وزميلاته يساعدوننا في اختيار الكتب لموضوعاتنا في الماجستير والدكتوراه، وهو على الأخص متفان في عمله وشديد التواضع أيضا.

دحمان: لم أكن أظن أنه بهذه الأهمية.

دكتور ناصر[يخاطب بوعلام]: تهانينا بالجائزة فأنت الفائز.

بوعلام: صحيح!

[يخفض طارق رأسه ويعود إلى قصته]

دكتور ناصر: طبعا.

دحمان: أصبحت مليونيرا يا بوعلام. ستستلم مائتي مليون سنتيم من يد رجل الأعمال الكبير مسعود الحلوي.

بوعلام[بلهجة حزينة وقد تجهم وجهه فجأة]: مسعود الحلوي!

دحمان: نعم فهو ممول الجائزة.

بوعلام: لن أقبل هذه الجائزة إذا.

دحمان: أنت تمزح. هل ترفض مائتي مليون سنتيم هدية مجانية؟

بوعلام[بجد]: وأرفض ملياري سنتيم أيضا حين تكون ملوثة.

دحمان: عجيب، لنفرض أنها ملوثة، فلست أنت الذي لوثتها.

بوعلام: ولكنها تلوثني إذا قبلتها. عشت حياتي كلها بشرف ولن أدنس شرفي الآن.

دكتور ناصر[وهو يخرج من محفظته ورقة]: لا تخف يا بوعلام فإدارة الجمعية ستتغير يوم الخميس القادم ومسعود الحلوي لن يمول الجائزة، وستستلمها من يد نظيفة بإذن الله ولكن ربما لن تكون مليونين بل مليونا واحدا. [يناوله الورقة]:اقرأ هذا البيان.

دحمان[يقترب من بوعلام ويقرأ معه ثم يقول]: ما دمت لست مهتما بالمال، ما رأيك أن أطبع لك بالمليون خمسة آلاف نسخة من كتابك، بشرط أن توزعها بمعرفتك.

بوعلام: وهل هناك إنسان عاقل لا يهتم بالمال؟ ولكن ليس بأية وسيلة، فهو نفسه وسيلة وليس غاية. على كل حال سأطبع على حسابي بعض النسخ بجزء من المليون أما الباقي فمن حق عائلتي.

دكتور ناصر[بحزم]: لن تدفع شيئا من الجائزة. يشرف دار التنوير للنشر أن تنشر كتابك وتوزعه وتعطيك حقوق النشر كاملة.

بوعلام: هذا فوق ما كنت أحلم به.

دكتور ناصر: لماذا إذا تُفتح دور النشر؟ أليس لنشر الإنتاج الجيد، وتشجيع الإبداع؟

[يرن جرس هاتف دحمان المحمول فيجيب]

دحمان: سيارتي! ما بها؟ محاولة سرقة! سآتي حالا.

[يخرج دحمان ويرن هاتف الدكتور ناصر المحمول فينتحي زاوية من المسرح ليجيب. ينهض طارق ابن الدكتور ناصر ويقترب من بوعلام]

 

المشهد الثاني

 

طارق: سمعت أبي يقول إنك نجم حقيقي. كيف يمكن أن أصبح نجما مشهورا؟

بوعلام: الشهرة لا تصنع منك نجما فليس كل ما يتلألأ ويبهر نجما.

طارق: كيف أصبح نجما إذا؟

بوعلام: تريد أن تصبح نجما. ابدأ بالإضاءة منذ الآن، فالنجم يضيء بنوره ما حوله ولمن حوله.

طارق: هل تعني ان أحمل مصباحا وأضيء به ما حولي ولمن حولي في الليل؟

بوعلام: لا يا بني. الدنيا أخذ وعطاء. أقصد أن تعطي أكثر مما تأخذ، فمن يعطي أكثر مما يأخذ ينير محيطه وبلده والعالم أجمع، ومن يأخذ أكثر مما يعطي يساهم في تعتيم محيطه وبلده والعالم أجمع.

طارق: لم أفهم.

بوعلام: المهم ألا تكون أنانيا، فلولا تضحيات من سبقونا لما استقلت بلادنا، ولولا تضحيات العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين لما تقدم العالم. اهتم بدروسك الآن ومع الوقت ستفهم يابني.

[ينهي الدكتور ناصر مكالمته في هذه اللحظة ويقترب من بوعلام وطارق وينظر إلى الساعة مخاطبا ولده]

الدكتور ناصر[متعجلا]: لقد تأخرنا ياطارق. تهاني الحارة مرة أخرى ياأستاذ بوعلام وسنلتقي يوم الجمعة في قاعة الموقار. إلى اللقاء.

بوعلام: مع السلامة وإلى اللقاء.

[يخرجان]

 

المشهد الثالث

[ تدخل الشاعرة أنغام]

بوعلام[مرحبا]: أهلا بالشاعرة أنغام.

لطيفة: اسمي لطيفة وأنا صحفية، أما الشاعرة أنغام فاختفت إلى الأبد.

بوعلام: أهلا بك ياابنتي.

لطيفة:أتيت أولا لأهنئك بالجائزة.

بوعلام: شكرا لك.

لطيفة:وثانيا، سأعمل بنصيحتك فلن أبدأ حياتي المهنية بالانتقام، بل سأبدؤها بسبق صحفي مع الفائز بجائزة المنار الذهبية. لقد بدأت العمل في صحيفة الضياء.

بوعلام: يسعدني ذلك.

لطيفة: ولكن لدي مشكلة أريد أن أسألك عنها.

بوعلام: ما هي؟

لطيفة: كيف أكتب بأسلوب متميز بعيدا عن القوالب الجامدة ولغة الخشب؟

بوعلام: اكتبي ما تحسين به بصدق دون نفاق أو مبالغة. لغة الخشب هي ما يقوله الإنسان بلسانه لا بقلبه، والأمثلة كثيرة، فحين يتحدث الأناني عن التضحية والجاهل عن الثقافة والانتهازي عن المثل العليا فتلك هي لغة الخشب وهي غالبا لغة السياسيين والمنافقين. أما حين يعبر الإنسان بصدق عما في قلبه فيصل ما يكتبه إلى القلوب.

لطيفة: وماذا عن الأسلوب؟

بوعلام: الأسلوب جزء من شخصيتك وهو موجود بداخلك وتكتشفينه وتطورينه بالممارسة والمثابرة.

لطيفة: وبماذا تنصحني أيضا كصحفية؟

بوعلام: استعملي قلمك كسلاح ضد الظلم. ولا تشهريه في وجه كل الناس لتخيفيهم. لتكن غايتك الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الهجاء والتجريح.

لطيفة: متى يمكنني إجراء الحديث معك؟

بوعلام: أنا مستعد في أي وقت.

لطيفة: سأحضر المصور وآتي غدا صباحا.

بوعلام: سأكون في انتظارك.

[ يدخل دحمان فيسأله بوعلام عما حدث ثم يعرفه بالصحفية]

بوعلام: خيرا، ماذا حدث للسيارة؟

دحمان: شابان حاولا سرقة السيارة. لا أدري كيف فتحاها. المهم أن صاحب محل الأحذية تنبه لهما وأخبر الشرطة وهما موقوفان الآن.

بوعلام:  الآنسة لطيفة صحفية بجريدة الضياء.

دحمان: ما شاء الله. أرجو أن تكتبي عندك بأني سعيد جدا بفوز بوعلام بالجائزة. كنت عضوا في لجنة المسابقة وكنت أشد المتحمسين لفوزه.

لطيفة: فاز بالإجماع كما أعتقد.

[بوعلام يستمع إلى الحديث ويهز رأسه]

دحمان: نعم ولكن بعد مداولات طويلة أقنعت فيها اللجنة بضرورة فوزه. اكتبي عندك أيضا بأن الكاتب بوعلام كان رئيس لجنة القراءة في دار السبع للنشر.

لطيفة: صحيح؟

دحمان: طبعا. اكتبي عندك أيضا أنني سأفتح قريبا ملهى ثقافيا فنيا.

لطيفة: تقصد مقهى ثقافيا فنيا.

دحمان: لا. هو ملهى ثقافي فني.

لطيفة: يعني "كباريه".

دحمان: نعم ولكن كباريه ثقافي فني.

 

المشهد الرابع

[يدخل فضيل]

فضيل: أتيت لأهنئك بالفوز. لا تتصور مدى سعادتي بسماع الخبر.

بوعلام: من أخبرك؟

فضيل: إذاعة البهجة أذاعت الخبر والزملاء كلهم سمعوا وسيحضرون في قاعة الموقار يوم الجمعة القادم للاحتفال بتسليمك الجائزة.

بوعلام: شكرا لك ولهم.

فضيل: أريد أن أسألك، هل تثق بي؟

بوعلام: طبعا أثق بك كل الثقة.

فضيل: وتضمنني؟

بوعلام: نعم، ولكن فيم أضمنك؟

فضيل: أريد أن تطلب لي يد حسيبة من أمها.

بوعلام: بكل سرور. تريد أن تخطبها.

فضيل: أنا مستعجل على الزواج.

بوعلام[يخاطب فضيل]: مستعجل على ماذا؟

فضيل: سئمت أكل السوق ونوم الحمام.

بوعلام: غدا ستحن إلى أيام الحمام. الأعزب أعز الناس في نظر المرأة وحين يتزوج يصبح من يا أيها الناس.

فضيل: ماذا تعني؟

بوعلام: أعني أن تنتهز فترة الخطوبة لتتدلل أكبر وقت ممكن. هي الآن تدللك وتطبخ لك المآكل الشهية، لكنك حين تتزوج أنت الذي ستدللها. ستطلب منك أن تأخذها إلى المطاعم الفخمة لترتاح من الطبخ.

فضيل: ماذا تقول؟

بوعلام: سوف تطلب منك أن تأكل السمك في الجميلة و"البروشيت" في درارية وبرج الكيفان، والدجاج المشوي في سطاويلي، والمرطبات في سيدي فرج، هذا إذا لم تطلب منك أن تتغدى وتتعشى في الأوراسي والشيراتون والهلتون والسوفيتيل ودار الضياف.

فضيل:  لالالا. حسيبة ليست من هذا النوع. هي مختلفة وليست كالنساء الأخريات، صدقني.

بوعلام[يخاطب نفسه ويقلده]: حسيبة مختلفة وليست كالنساء الأخريات. حسن. أنا أنصحه ولكن المحب أعمى وأصم، وحين يفتح عيونه على الحقيقة يكون قد فات الأوان. في الحب والزواج لا أحد يستفيد من تجربة غيره. لابد أن يدفع الثمن ليتعلم الدرس.

فضيل: لا أفهم ما تقول؟

بوعلام[بابتسامة مصطنعة]: كنت أمزح. معك كل الحق. حسيبة مختلفة. متى تريدني أن أذهب معك.

فضيل: حسيبة الآن مع أمها لتخبرها بأنك ربحت الجائزة وستأتي لتهنئك فتفتح معها الموضوع.

بوعلام: متى ستأتي.

فضيل: حين أكلم حسيبة بالمحمول. هل أكلمها الآن؟

[يسمعان صوتا في الخارج]

بوعلام: ليس الآن. ها هو دحمان قادم وليس وحده. دعنا نخرج الآن إلى مكتب السكرتيرة لنتم حديثنا.

 

المشهد الخامس

 

[يدخل دحمان ومختار صاحب دار نشر الشهية الطيبة ويتحاوران واقفين طيلة المشهد ]

دحمان: لماذا أنت قلق إلى هذا الحد؟ ماذا حدث؟

مختار: أخي يلح علي في فسخ الشراكة فلم تعجبه هذه المهنة. يريد أن يفتح مطعما وأنا أرى الحق معه. كنت في الصباح في وزارة الثقافة وأخبروني أن آلاف الكتب قدمت طلبا لدعم الدولة لكن اللجنة رفضت كثيرا منها ولم تقبل إلا عددا محدودا.

دحمان: وأنا أيضا سمعت بالخبر، وأنهم لن يأخذوا كل ما نقدمه لهم.

مختار: الأخطر من ذلك أن أعمال اللجنة ربما تستغرق سنة كاملة، وربما بعد سنة يوافقون لنا على كتابين أو ثلاثة.

دحمان[مفكرا]: وماذا تنوي أن تفعل؟

مختار: سأحول دار النشر إلى مطعم. في المطعم يأكل الزبون فيدفع، أما هنا فنحن ننتظر دعم الدولة، وإذا لم يأت الدعم فعلينا انتظار أن يباع الكتاب. في الحقيقة هذه ليست مهنتنا ولها أصحابها.

دحمان: معك الحق. في المطعم يطلب الزبون الوجبة فيدفع ثمنها حتى وإن لم تعجبه ولم يأكلها، أما في المكتبة فيدخل ويقلب الكتاب الأول ثم الثاني ثم الثالث ويخرج دون أن يشتري شيئا.

مختار: في المطعم نضع مع الوجبة على المائدة الملح والحمض والحار والبهارات والزبون حر في أن يضيف ما يشاء حسب ذوقه ليغير النكهة، اما الكتاب فيبقى كما هو، فإن كان "مسوسا" أو لا طعم له، لا يستطيع القارئ أن يغير نكهته.

دحمان: هذا صحيح، لذلك من لم يعجبه الكتاب لا يشتريه.

مختار: والمصيبة الكبرى بيع الكتب المستعملة. الكتاب يبيعه صاحبه بعد أن يقرأه، بل يباع عدة مرات وهذا لا يمكن أن يحدث في المطعم.

دحمان: والمصيبة الأكبر هي إعارة الكتب بالمجان في المكتبة الوطنية والمراكز الثقافية والمكتبات البلدية والمدرسية والجامعية وفي مواقع الأنترنت. أينما تذهبْ تجد الكتاب يعار بالمجان. هل نحن في المطعم يمكن أن نعير الوجبات مجانا؟

[يبدو الانسجام والتناغم واضحا بينهما فكل منهما يتم عبارة الآخر]

مختار: طبعا لا. لو كان الأمر بيدنا لمنعنا بيع الكتب المستعملة،

دحمان: وأغلقنا المكتبة الوطنية والمكتبات الجامعية والمدرسية والبلدية،

مختار: ومنعنا الأنترنت منعا باتا،

دحمان: فليس هناك قراءة بالمجان.

مختار: ومن أراد أن يقرأ،

دحمان: يجب أن يدفع.

مختار: نعم لأن القراءة مجانا تقطع رزق الناشرين والكتبيين والمؤلفين.

دحمان[باستنكار شديد]: وما دخل المؤلفين؟ المؤلف لا يدفع شيئا من جيبه. كل رأسماله قلم وبعض الأوراق لا تساوي شيئا. نحن الذين نصنع الكتاب. قل لي من يستأجر مكان النشر؟

مختار: الناشر.

دحمان: ومن يفرشه ويؤثثه؟

مختار: الناشر.

دحمان: من يشتري أجهزة الإعلام الآلي ويدفع أجرة الموظفين والعمال والضمان الاجتماعي؟

مختار: الناشر طبعا.

دحمان: من يدفع الضرائب وتكاليف الطباعة والدعاية؟

مختار: الناشر وحده.

دحمان: قل لي: هل يدفع المؤلف جزءا من التكاليف؟

مختار: لا، لا يدفع شيئا.

دحمان: ومع ذلك يتطفل المؤلف على الكتاب ويُكتَبُ اسمُهُ على الغلاف وكأنه هو الذي صنعه. وتستضيفه قنوات الإذاعة والتلفزيون وتكتب عنه الصحف ولا أحد يذكرنا بخير، حتى هو. ولولا الناشر ما سمع الناس به أبدا.

مختار: لا يكفيه كل هذا بل يطالب بحقوق أكثر مما يستحق. ألا تكفيه هذه الشهرة وهذا الربح المعنوي؟ لماذا الإصرار على الربح المادي؟

دحمان: لأنه طماع ولا يشبع. آه، لو اتفق الناشرون على مقاطعة المؤلفين وصناعة كتاب دون مؤلف.

مختار: هل يمكن ذلك؟

دحمان: بالتأكيد. ألم تسمع عن الكتاب الأبيض؟

مختار: سمعت عنه. هل هو كتاب بلا مؤلف؟

دحمان[مترددا]: أنا لم أقرأه ولكني أعتقد ذلك.

مختار: ماذا ستفعل؟ هل قررت الاستمرار في هذه المهنة؟

دحمان: لا. كان أبي يردد المثل القائل: "من يعمل في مهنة الكتب يجب أن يكون له عمر نوح وصبر أيوب ومال قارون". وأنا لن أعيش كنوح وليس لدي صبر أيوب ولا مال قارون، من أجل هذا تركت مهنة المكتبة وعدت إليها بعد دعم الدولة، وبما أن الدعم لم يعد دسما مثلما كنت أتصور،

مختار[مكملا]: ستترك هذه المهنة.

دحمان: نعم، وسأفتح مقهى وكباريه كما كنت في باريس. ما دمت لم أستطع خدمة الثقافة، سأخدم الفن في بلادي. سأستدعي الراقصتين ليلي وسوسو من فرنسا.

مختار: أنت دائما تشجع الفن والفنانين. هل ستفتح الغزالة الحمراء في القصبة؟

دحمان: لا. غير ممكن في القصبة لأن أبي كان صاحب مكتبة هناك ولن يتقبل أهل الحي أن يفتح ابنه مقهى وكباريه، ولن أستطيع الحصول على رخصة  بإحضار راقصات للحي. سأفتحه خارج العاصمة.

مختار: وماذا نفعل بالكتب التي استلمناها من أصحابها؟

دحمان: نعيدها إليهم ونعطيهم العنوان الجديد فربما يصبحون زبائن في مطعمك وعندي في الكباريه.

مختار: هذا أفضل لنا. زبائن الكتب قليلون، فكثير من الناس لا يقرؤون بسبب الجهل والأمية.

دحمان: أو بسبب الفقر أو مرض العيون

مختار: أو بسبب غلاء الكتب والأزمة الاقتصادية.

دحمان:  ولكن هل رأيت أحدا لا يأكل إن كان عالما أو جاهلا، فقيرا أو غنيا، صحيحا أو مريضا بعينيه؟

مختار: الكل يمضغون والكل يبلعون.

دحمان: هنيئا لك بمطعمك.

مختار: وأنت ياسي دحمان، في النهار قهوة وفي الليل بار وكباريه، ومن لا يشرب الويسكي والريكار يشرب القهوة والشاي.

دحمان: لنذهب ونشرب نخب مشاريعنا الجديدة.

مختار: وداعا لمهنة الأشقياء وأهلا بمهنة الأذكياء. لنذهب.

[يخرجان]

المشهد السادس

[يدخل بوعلام وفضيل ويتحاوران واقفين]

فضيل: كلمتها وقالت ستأتي مع أمها الآن.

بوعلام: أمها امرأة طيبة وستصبح حماتك، ويجب أن تتعلم منذ الآن كيف تتعامل مع الحموات.

فضيل: لا تخف فإني أعرف الكثير.

بوعلام: تعرف الكثير نظريا ولكنك عمليا لا تعرف شيئا. كيف يخطر في بالك أن تهدي الفتاة التي  تحبها كتاب "قصة الفلسفة"؟

فضيل: تلك غلطة لن تتكرر.

بوعلام: إياك أن تهدي حماتك موسوعة غنيز للأرقام القياسية.

[تدخل حسيبة السكرتيرة وأمها وردة وهي ترتدي ثوبا بنفسجيا محترما وتضع على رأسها منديلا من نفس اللون لا يغطي مقدمة الرأس]

وردة: مبروك عليك يا سيد بوعلام. والله لقد فرحت لك كثيرا فأنت ستستريح من الحمام وتأكل لقمة هنية.

بوعلام: شكرا لك يا سيدتي.

وردة: أنت تستحق كل خير.

بوعلام: أود أن أطلب منك شيئا ولكني خجل قليلا.

وردة: لا تخجل فنحن أهل. قل ولا تخف.

بوعلام:  أتشرف أن أطلب ابنتك للزواج......

وردة[تقاطعه بغضب واستنكار]: هل سمح لك الطبيب بالزواج من الصغيرات ولم يسمح لك بالزواج من الكبيرات؟ أنت مخادع ولن أعطيك ابنتي ولو ملكت الملايير. وأنا التي جئت لأهنئك. تعالي ياابنتي فلن أتركك هنا مع هذا.....

بوعلام[يعترض طريقهما ويقاطعها]: اسمعيني ياسيدتي. أنا لا أطلبها كزوجة لي بل لهذا الشاب الذي يقف أمامك وهو موظف مهم في المكتبة الوطنية وأضمنه كما أضمن نفسي.

وردة: فاجأتني.

بوعلام: معك الحق ياسيدتي. سنأتي لنخطبها حسب الأصول ولكن أحببت أن تكوني على علم قبل الزيارة.

وردة: على بركة الله. وحين يسمح لك الطبيب بالزواج أنا التي أختار لك العروس.

بوعلام[هامسا لحسيبة بجانبه بينما الأم مشغولة بتفحص فضيل]: لا بد أن تعرف أمك بالحقيقة قبل زيارتنا لكم فسأحضر زوجتي معي.

السكرتيرة: كن مطمئنا سأعلمها بكل شيء الليلة.

بوعلام: أسمعونا زغرودة على نية الفرح.

وردة: سأزغرد أنا وابنتي فرحا بفوزك، أما زغاريد العرس فليس الآن بل حين يتم كل شيء على ما يرام إن شاء الله. زغردي معي ياحسيبة

[تزغردان. تعزف الموسيقى لحن أحد الألحان الجزائرية المعروفة في الأعراس بينما يغلق الستار]

ستار

  

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثالث

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: هموم الكاتب بوعلام

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات