الفصل الرابع

 

 

من كتاب "العلاقات الإنسانية"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

الروابط الأسرية

 

 

الروابط الأسرية وعلاقات القرابة والمصاهرة:

        تنشأ عن الزواج روابط وعلاقات متعددة منها الأمومة والأبوة والبنوة، ورابطة الدم التي تجمع بين الإخوة وأبناء العم، والقرابة عن طريق المصاهرة، وغيرها، وقد كان لهذه الروابط أهمية سياسية واجتماعية كبيرة في الماضي، فالقبيلة أو العشيرة تشكل أسرة واحدة تجمع بينها رابطة الدم، وتقوي القبائل نفوذها وسيطرتها بالمصاهرة، وقد تقلصت الأسرة الحديثة في هذا العصر، وبقيت لرابطة القرابة أهمية اجتماعية، وأهم العلاقات الأسرية علاقة الأمومة، فليس هناك من يقوم مقام الأم في حنانها ورعايتها لأطفالها ثم تأتي بعدها الأبوة فالأخوة فالروابط الأخرى، وقد حض الإسلام الأبناء على رعاية الوالدين فقال سبحانه وتعالى:

        "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا."

سورة الإسراء. الآيــــة 23 ـ 24

        كما حض كما رأينا سابقا على صلة الرحم، وقد مرت معنا الآية الكريمة التي تحض على رعاية ذوي القربى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

        "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه." متفق عليه.

                رياص الصالحين ص 155

        وقال الشاعر العربي المقنع الكندي يتحدث عن علاقته بأهله وأقربائه:

وإن الــــذي بيني وبين بني أبي      وبـيــن بني عـمـي لمـخـتـلف جدا

إذا أكلــوا لحمي وفرت لحو مهمْ        وإن هـدموا مجـدي بـنـيت لهـم مجدا

ولا أحـمل الحقد القديم عليهــمُ        وليـس رئيس القــوم من يحمل الحقدا

لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنــى         وإن قـلّ مــــا لـي لم أكلّفهمُ رفدا

                        "من حماسة أبي تمام" ص 219

العلاقات العائلية النموذجية:

        من المفروض أن تتميز العلاقات العائلية بالمودة والحب، والتعاون، والاحترام المتبادل والثقة، وبعطف وحنان الأم على أولادها، ورعاية الأب لأبنائه وسهره على تربيتهم وإعدادهم للحياة، واعتراف الأبناء بجميل الأبوين، ورعايتهما عند الكبر كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، كما أن علاقة الإخوة بعضهم ببعض تتميز بعطف الكبير على الصغير، واحترام الصغير للكبير، وليس معنى هذا أن تكون العلاقات دائما هادئة منسجمة، فلابد أن يحدث بعض التوتر نتيجة اختلاف الطباع، وصراع الأجيال بين الآباء والأبناء، وبروز عوامل الغيرة بين الأخوات والإخوة، مما لايؤثر على جوهر العلاقة.

تأثير العوامل الخارجية والداخلية:

        إلا أن بعض العوامل الخارجية والداخلية قد تؤثر تأثيرا سلبيا على العلاقات بين الأسرة، كالفقر المدقع، أو الغنى الفاحش، والدلال المفرط أو برودة المشاعر، وتفضيل ابن على ابن أو الذكور على الإناث، والصراع بين أبناء الزواج المتعدد الذي يثير الأحقاد والعداوات بدلا من الألفة والمحبة، ونزاع زوجات الإخوة أو الأبناء الذي ينجم عنه نزاع أزواجهم، أو الخلاف على الميراث بين الورثة، وهكذا... ونحن حين ندرس العلاقة ندرس جوانبها الإيجابية والسلبية ثم نقيمها محددين مسؤولية كل طرف، ومعللين الأسباب، كما نبين العواطف التي تثيرها فينا كعواطف الإعجاب أو الاستنكار أو الإشفاق أو الأسى ثم نبين أخيرا رسالة الكاتب من إقامة هذه العلاقة. ونحن ندرس العلاقات الأساسية في الرواية سواء أكانت محورية أم ثانوية أما العلاقات العابرة فلا أهمية لها.

 

 

أسس العلاقة:

        وتبقى الأسس الأربعة المتمثلة في الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة والمحبة والتعاون هي التي تدعم روابط الدم والقرابة، فإذا فقد الابن احترامه لأبيه أو ثقته فيه أو محبته، انهارت هذه العلاقة. أما بالنسبة إلى الأطفال فاحترام الأبوين لهم يتمثل في رعايتهم، واحترام حقوقهم في الغذاء والرعاية الصحية واللعب والتعلم، وتجنب استعمال العنف معهم وضربهم، وعدم استغلالهم في الأعمال التجارية واليدوية المرهقة، والثقة بهم تعني تشجيعهم على تفتيح إمكانياتهم وطاقاتهم كما تتفتح الزهور، دون إملاء مانريد عليهم. ولكن هذا لايكون إلا بانتشار العلم والوعي في المناطق الريفية والمناطق الشعبية في المدن، ومن الإحجاف بحق أوليائنا، أن نوجه أصابع الاتهام إليهم في انتقاص حقوقنا، وهم عاشوا في ظلام الجهل والاستعمار محرومين من كل الحقوق. ومن العبث أن نمنع الفقير والعاجز من دفع أطفاله إلى العمل لكسب القوت، دون أن نوفر القوت له ولهم، ولانستطيع تطبيق قوانين مجتمع منظم في مجتمعنا النامي، ولابد من التكافل الإجتماعي والتدرج في الوصول إلى علاقات نموذجية.

بناء العلاقات الأسرية في الرواية:

        ويركز الروائيون في بناء العلاقات الأسرية على بعض الجوانب السلبية لإلقاء الضوء عليها وعلى سبيل المثال إهمال تعليم الفتاة، أو إجبارها على الزواج ممن لاتحب، أو قتلها في بعض الأحيان لغسل العار إذا حملت، وإن كانت ضحية اغتصاب أو اعتداء، دون سؤال عن الجاني أو محاسبته، فالذكر يسمح له بكل شيء، أما الفتاة فلا يسمح لها بشيء، خلافا للقوانين السماوية والوضعية التي تساوي بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات، وفي الحساب والعقاب، وقد اخترنا نموذجا من بناء العلاقة الأسرية يعالج هذا الجانب.

 

 لقراءة الجزء التالي انقر هنا: نموذج : الأب القاضي والجلاد(عبد الحميد بن هدوقة)

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثالث: دراسة العلاقات الإنسانية

للاطلاع على فصول الكتاب كاملة، انقر هنا:  العلاقات الإنسانية