الفصل الثامن

من كتاب "العلاقات الإنسانية"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

نموذج من بناء علاقة الحب

الآفاق المسدودة (مولود فرعون):

مخطط بناء العلاقة:

        لنفرض أن الكاتب وضعه كما يأتي:

I- الفكرة المستهدفة:

        ليس هناك مستقبل للحب في زمن الاستعمار، فالحب يولد الأمل والطموح في مستقبل زاهر يبنيه المحبّان، ولكن المستقبل آفاقه مسدودة في زمن الاستعمار بالنسبة إلى الجزائري، ولا يستطيع أن يحيد عن الدروب التي رسمت له، سواء في الجزائر حيث يتمتع الانتهازيون وعملاؤهم وأذنابهم بخيرات الوطن أو في فرنسا كعامل مهاجر يعيش في أسفل السلم الاجتماعي، والزواج وإنجاب الأولاد هو استمرار وقبول بهذه العبودية.

        فالعلاقة المطلوب بناؤها إذن هي علاقة تتميز بالصراع الداخلي لدى البطل بين هذه العاطفة الطبيعية النبيلة وبين خوفه من المستقبل، وبالصراع الخارجي بين المحبين وما حولهما من ظروف تعيق هذا الحب، ثم بانهيار العلاقة بينهما وانتهائها بمأساة.

II- الشخصيتان المطلوب بناؤهما إذن:

أ- شاب ريفي مسلم من أب جزائري وأم فرنسية، مبدئي يهتم بمشاكل قومه، متعلم، عامل مهاجر، هو عامر.

ب- صبية ريفية مسيحية مراهقة من أسرة فقيرة سيئة السمعة، متعلمة وهي ذهبيه.

III- بناء العلاقة:

أ- عرض مظاهر حبهما.

ب- تحديد عوائق حبهما.

جـ- تطور العلاقة بينهما ونهايتها في الرواية.

1- الفكرة المستهدفة:

        أراد الكاتب مولود فرعون أن يبين لنا أن الحب لا يمكن أن يزدهر إلاّ في ظل الحريّة، فماذا يصنع الإنسان بالحب إذا كانت الآفاق كلها مسدودة، والمستقبل مظلماً، والحب هو وعد وأمل بالسعادة وكذلك إذا كان المحب يعرف سلفاً بأن هذا الدرّب ليس فيه إلاّ تعاسة وشقاء، واستمرار لتعاسة آبائه وأجداده الذين عانوا من جحيم الاستعمار كما يعاني الآن، والحب نفسه، بدلاً من ان يكون درب السعادة، يصبح أحد "الدروب الوعرة" في "إيغيل نزمان" إحدى قرى منطقة القبائل، مسرح علاقة الحب بين "عامر" و"ذهبية" بطلا رواية "الدروب الوعرة".

تعريف موجز بالرواية:

        تجري أحداثها في أوائل الخمسينات، أي قبل ثورة نوفمبر بفترة وجيزة، ويطرح الكاتب من خلال أحداث هذه الرواية العاطفية بعض مشاكل الشعب الجزائري أثناء الاحتلال الفرنسي، ولاسيما في الريف، وقد نسج علاقة حب بين عامر آيت العربي، وذهبية في قرية "إيغيل نزمان" في جبال جرجرة في منطقة القبائل، وطرح من خلال شخصية عامر قضية الزواج المختلط، وما يعانيه أبناء هذا الزواج، لأن أمه فرنسية، أسلمت بعد زواجها من والده، كما طرح من خلاله مشكلة العمال المهاجرين لأنه كان واحداً منهم، ومشكلة المبدئية والانتهازية، فقد كان صاحب مبادئ يكره الدجل والنفاق، كما طرح من خلال ذهبية قضية التبشير المسيحي في بلاد القبائل، ومشكلة الدين والتدين، وممارسات الناس في معاملاتهم وحياتهم اليومية البعيدة عن روح الدين، وعرض مشكلة الفقر والفقراء باعتبار أسرة ذهبية كانت من أفقر الأسر، وعرض من خلال علاقتهما مأساة شابين ينشدان الحب والسعادة في جو مليء بالكره والبغض واحتمالات الشقاء. وإلى جانب هذه العلاقة نسج مولود فرعون علاقات أسرية وعلاقات اجتماعية أخرى. ولكن ما يهمنا هو علاقة الحب الأساسية في الرواية.

2- بناء الشخصيتين وتحديد مقوماتهما:

        وقد بدأ بناء شخصيتي عامر وذهبية حسب المخطط المرسوم:

        أما "عامر" فهو شاب طويل وسيم أنيق ذو عينين ساحرتين في الخامسة والعشرين من عمره، من أسرة آيت العربي، وأمه فرنسية أسلمت بعد زواجها من والد عامر الذي قتل قبل أن يولد، فسمي الولد باسمه، عاد بعد اغتراب سنوات من العمل في فرنسا. مثقف شجاع، محسن للفقراء كريم النفس، متأن في عمله، خجول، ولكنه صريح لايحب النفاق، وهذا ما يعيبه عليه أهل القرية. عاش طفولة تعيسة لأن الأولاد كانوا يظلمونه ويعتدون عليه وينادونه "ابن الرومية".

        وأما "ذهبية" فهي فتاة في الخامسة عشرة، من قرية "آيت واضو"، ناصعة البياض، طويلة القد، جميلة الوجه، ذات عينين زرقاوين نجلاوين وأهداب طويلة فاتنة، وشعر أجعد أسود اللون ينسدل إلى خصرها. مراهقة، عفوية في مشيتها وحركاتها، ذكية، رقيقة الشعور ولكن ذات مزاج مشاكس، متشائمة وتعتقد بأنها منحوسة، حيث كانت رفيقاتها يقابلنها بالصد والنفور بسبب مزاجها وقد قضت طفولة تعيسة، فمن كانت تعتقد أنه أبوها أنكر أبوته لها، وأمها غير مرغوب فيها بعد عودتها إلى إيغيل نزمان لسمعتها السيئة، ولأنها من الأقلية المسيحية التي قامت بمجهود المبشرين، تعلمت الفرنسية في مدارس "الآباء البيض"، وأسرتها من أفقر الأسر في آيت واضو.

3- بناء العلاقة:

أ- عرض بداية الحب بينهما:

        لم يكن حبهما من أول نظرة، بل بدأ بتعارفهما، وقد سمعت عنه عندما عادت إلى "إيغيل نزمان" مع أمها، بعد موت من كان يفترض أنه أبوها:

        "كانت تعرف الكثير من الأمور عن عامر قبل رجوعه من فرنسا، فقد كان في بعض الأحيان موضوع حديث البنات في العين."

"الدروب الوعرة" ترجمة د. حنفي بن عيسى ص 35

        وكانت مشاعر كل منهما نحو الآخر عادية:

        "ولم يعد يهمها أن تلفت انتباهه لأنها لم تكن تشعر نحوه إلا بالمحبة التي توجد بين سائر أبناء العم. أما عميروش فلم يكن يبدو عليه ما يدعوها إلى الاعتقاد بأنه يعيرها أي اهتمام."

ص 36

        ولكنها بعد أيام بدأت تعجب به إعجاباً هو تمهيد طبيعي للحب:

        "ومضت أيام وإذا بها تفضله على جميع شبان القرية الذين لم تعد تحفل بأحدمنهم. وما كان يهمها منه سوى أن تنعم بصحبته، وأن تشعر به قريبا غير بعيد."

ص 38

        أما هو فأعجب بها منذ البداية واحس بإعجابها به:

        "وأعود للحديث عن ذهبية لأقول بأنها أعجبت بي، كما أنني من جهتي أعجبت بها في الحين."

ص 174

        وتقرب كل منهما من الآخر، ومن الطبيعي أن يكون الشاب هو المبادر، أو هكذا خيل إليه:

        "لا أنكر أن المساعي الأولى للتقرب منها كانت من جانبي."

ص 185

        وكانت أمها تشجع هذه العلاقة وتعتني بعامر بعد وفاة أمه.

ب- عرض مظاهر الحب:

        وقد عرض الكاتب بوضوح وإسهاب مظاهر الحب بينهما ونوجزها فيما يأتي:

1- تأجج العواطف:

        العواطف هي أساس الحب، وهي الرياح التي تقود صاحبها إما إلى بر الأمان، وإما إلى هاوية الضياع والشقاء، وقد تدرج الكاتب في وصف عواطف ذهبية من الإعجاب إلى الحب، ففي البداية كانت تحب لقاءه وحديثه:

        "ولكم يلذ لها ان تسمعه يتحدث، لأنه على غاية من اللطف، ولأن حديثه معها يبعث في نفسها الدفء والحرارة، ويثير لديها روح التفاؤل."

ص 37

        ثم أعجبت بصفاته الحميدة وبعيوبه كذلك:

        "لقد سحرها بكل ما في نفسه من صفات حميدة، وكذلك بما له من عيوب."

الصفحة نفسها

        أما عامر فلم يكن في البداية متأكداً من حبّه، وهو يقول ذلك صراحة في يومياته:

        "وإذا شئت الحقيقة، فأنا لا أحب ذهبية، وإنما أشعر نحوها برغبة، لذلك ينبغي أن أحتاط، كي لا أتورط معها إلى الأبد في قصة حب."

ص 171

        وكان يشعر بأن أمها "مالحة" قد نصبت له فخاً، وخططت لزواجه منها، ولكنها لن تنجح في الإيقاع به:

        "ولعلها حسبت حسابها كما يفعل جميع الناس عندنا، فسيخيب إذن أملها، وتغتاظ كما يغتاظ غيرها من الناس حين تخيب آمالهم، وتبطل حساباتهم."

الصفحة نفسها

        وشيئا فشيئا تمكن حبه من قلبها، وحبها من قلبه، وظهرت عليهما علائمه، ذات يوم حين تقابلا، وكان خارجاً من داره:

        "وصار قلبها يخفق خفقاناً قوياً، وحدثتها نفسها بالهروب من ذلك المكان، وحينما مر عامر بالقرب منها ألقت إليه نظرة استعطاف صريحة، ولايمكن لمن له قلب بشر أن يخيب أملها، ولأول مرة أحس عامر بصدمة قوية تهز كيانه، فاحمر وجهه ووضع يده على رأس ابنة عمه قائلا لها مبهور الأنفاس: -أدخلي إلى الدار بسرعة."

ص 38

        ولم تعد تغار من "ويزة" صديقتها الجميلة التي تكبرها، والتي تخاف على عامر منها رغم خطبتها من "مقران":

        "وفكرت ذهبية في نفسها: هذ الأمر مكتوب، وكان لابد أن يقع، فقد صرت أحبه، وهو يعرف ذلك فبادلني حباً بمثله. الحمد لله، أنا مسرورة جداً. خلاص، لم يعد يفكر لا في "ويزة" ولا في غيرها من البنات."

الصفحة نفسها

        وازداد حبها يوماً بعد يوم:

        "وصارت تحبه بكل ما أوتيت من قوة، ولا يمضي يوم حتى تعرف عنه ما يزيدها محبة وهياماً."

ص 39

        وأصبحت تتحدث عنه مع أمها وأمه الفرنسية التي ينادونها "مدام":

        "ولم تكن تجد حرجا في أن تتحدث عنه مع أمها، ومع أمه "مدام"."

الصفحة نفسها

        أما هو فقد تعلق قلبه بها، وقد أورد في يومياته عن تلك المقابلة:

        "وعلى كل حال فقد حصلت اليوم على نتيجة، وهي التأكد بأنني أحبها وأنها تحبني."

ص 247

        ويعترف بحبه في لهجة مؤثرة:

        "الله يشهد يا ذهبية أنني أحبك، والدليل على ذلك أن صورتك لم تبرح خيالي منذ أن أشرق الصبح."

ص 251

2- الاحترام المتبادل:

        الحب في حد ذاته يحمل في طياته مظاهر العلاقة المثالية الكاملة، من احترام ووفاء وثقة، واستعداد للتعاون مع من نحب في السراء والضراء، ونلمس احترام ذهبية لعامر من وصفها إياه وحديثها عنه، فهي تصفه تارة بالنبيل:

        "وهاهي ذي الآن تلاحظ ذلك، وتقدر البعد الشاسع بينها وبين ذلك الرجل النبيل الذي بذل ما في وسعه لينهض بأبناء قومه."

ص 45

        وتصفه تارة أخرى بالشهامة والكرم:

        "وخطر ببالها فجأة أن عامراً ربما لم يكن يحبها وحدها، لأنه شهم كريم، وأنى لها أن تطمح لمثله من الرجال!."

ص 46

        أما احترامه لها فهو العطف عليها، وتجنب إيذائها، لأنها مازالت صغيرة:

        "إنها لاتزال صبية، فعمرها لايتجاوز الخامسة عشرة، وأنا أحبها، فلا يجوز أن أكون معها سافلاً دنيئاً."

ص 262

        وهو يراها في المنام في صورة أقرب الناس إليه من الذين يحبهم ويحترمهم:

        "وكانت تتمثل لي تارة في صورة أمي، وتارة في صورة جدتي "كمومة"، وتارة أخرى في صورة رفيق لي من رفاق المدرسة."

ص 260

        وحبه لها وعطفه عليها يحملانه مسؤولية التفكير في مصيرها:

        "وهي فتاة كبيرة بالنسبة لعمرها وعاقلة، غير انها لا تكلف نفسها أية مشقة في التفكير، ومن واجبي إذن أن أفكر في مصيرها مادمت قادراً على ذلك."

ص 263

3- الثقة المتبادلة:

        ولاشك أن ثقة المحب ثقة كاملة وعمياء، وذهبية تصف لنا ثقتها في عامر:

        "وهو متأن في عمله، غير مستعجل، خجول مع سائر الناس، وهي تحب منه ذلك، لأنه يبث في نفسها الثقة والأمان."

ص 26

        وهي تصرح له بثقتها به واطمئنانها إليه، عندما سألها عن ذلك:

        "-هل تشعرين معي بالثقة والاطمئنان يا عزيزتي؟

        -كل الثقة وكل الاطمئنان."

ص 262

        كما تخبرنا عن ثقة عامر الكاملة بها:

        "ولم يكن له من ذنب في هذه الحياة سوى أنه وضع فيها الثقة الكاملة."

ص 44

4- وفاء كل منهما للآخر:

        وقد تعاهدا على أن يبقى كل منهما وفياً في حبه للآخر إلى الأبد:

        "-أصحيح أنك تحبينني؟ قولي: إني أحبك.

        -...

        -احلفي

        -أقسم لك بالله

        -إلى الأبد

        -إلى الأبد

        وبدون أن ندري جلسنا على الحصيرة جنباً إلى جنب، وعندئذ شعرت بالرغبة في البكاء، واعتقد أنها هي أيضاً شعرت بنفس الرغبة، ولكنها زمت شفتيها، ومرت علينا فترة عصيبة من التوتر.

        -ستكونين صديقتي وفتاتي، وأعز من نفسي. ليس لي أحد سواك. ستكونين لي أنا وحدي، لأنني لا أرغب في أحد سواك."

ص 246

5- الاستعداد للعيش في السراء والضراء:

        الزواج هدف كل حبّ سوي، وقد قاوم عامر فكرة الزواج لأسباب سوف نتعرض إليها عند الحديث عن عوائق حبهما، ولكنه استسلم في نهاية الأمر، ومشى طائعاً إلى "فخ الزواج" الذي نصبته له أمها "ننة مالحة":

        "سوف أقضي نهار الغد مع ذهبية، ولعلني بذلك أقع في الفخ المفضوح الذي نصبته لي ننة مالحة. وإذا ما حدث هذا الأمر فلن أتأسف على كل حال لأنني أحبها."

ص 268

        وهو يعرف أنها مستعدة لمرافقته إلى حيث يشاء، ويعلن عن وفائه وإخلاصه لها في السراء والضراء:

        "... ولاشك أنها سوف ترافقني إلى حيث أشاء. سأذهب معها إلى البلدان المتحضرة لنطالب فيها بمكاننا تحت الشمس. سنعيش ونناضل... وسأكون وفيا مخلصا لها لأنها أملي الوحيد في الحياة."

ص 268

جـ- تحديد عوائق حبهما:

        وقد وضع الكاتب في طريق هذه العلاقة عند بنائها عدة عوائق وهي:

1- عوائق اجتماعية ناتجة عن اختلاف المقومات: بصرف النظر عن فرق السن الذي لايشكل عائقاً بالنسبة للحب أو للزواج في الريف، هناك عائقان:

أولا: اختلاف الدين: فعامر مسلم وذهبية مسيحية.

ثانيا: سمعة أمها السيئة: فقد تربت الأم "مالحة" بعد وفاة أمها في كنف امرأة أبيها التي كانت قاسية عليها. وكانت البنت تهرب من البيت إلى الأزقة والحقول، وتعاشر الصبيان، وفجأة اكتشف والدها وامرأة أبيها أنها حامل، وجاء أحد أبناء "آيت واضو" يطلبها للزواج، فاختار أبوها أن يزوجها لمسيحي على أن تصبح عاهرة. وعادت مع ابنتها بعد وفاة زوجها إلى "إيغيل نزمان" ولكن أهل القرية تجنبوها لسوء سمعتها.

        وتلخص أمها هذين العائقين بقولها:

        "ذهبية التي هي نصرانية زيادة على فقرها، وليس لها أهل ولا خلان، بل هي عديمة الشرف أيضا. أليست هي الفتاة الي يقول عنها الشيوخ بأنها "بنت الزبل"؟."

ص 82

2- عائق نفسي بالنسبة إلى عامر، هو رفضه الزواج، والعيش في بؤس وخمول كما يعيش أقرانه في ظل الهيمنة الاستعمارية والذل والفقر. وقد تكوّن هذا العائق النفسي، من خلال تجربته المريرة في الحياة منذ صغره، التي أفقدته الأمل في المستقبل:

        "ذلك الماضي الذي اشمأزت منه نفسي إلى درجة أنني فقدت كل أمل في المستقبل. وأنا أتساءل أحياناً: هل سأجد السعادة مع ذهبية؟ وهل أنا قادر على أن أضمن لها السعادة؟ إني أشك في ذلك."

ص 196

        أما أسباب هذا العائق فنوجزها فيما يأتي:

أولا: الطفولة التعيسة: وقد استهل تجربته في الحياة باليتم والحرمان، وقد سجل ذلك في يومياته:

        "أصارحك يا أماه بانني كنت محروماً... محروماً من كل مالذ وطاب، من الثياب الجميلة، من حنان الأبوة، وقد بقي لي من ذلك في نفسي فراغ هائل لا أستطيع أن أملأه."

ص 198

        وليس وحده من يعيش هذه الطفولة التعيسة بل جل أقرانه في القرية:

        "أما الطعام فهو الكسكسي والخبز، وأما الأيام فنقضيها في النادي والمدرسة، في المخاصمة والسب، وجمع أعقاب السجاير، والتسكع في الحقول مع الصبيان، وليس لنا من رقيب على ما نفعل فإذا أخطأ أحدنا ترى الكبار حينئذ يشبعونه ضرباً."

ص 198

        وأما الصحة، فليس هناك طبيب أو علاج:

        "فإذا أصبت بمرض فليس لي من حيلة سوى أن أنتظر الشفاء بدون أية معالجة."

ص 199

ثانيا: يأسه وفقدانه الأمل في المبادئ التي آمن بها: وقد حاول تغيير هذا الواقع التعيس عن طريق الإيمان بالأفكار الماركسية، والانتساب إلى الحزب الذي يمثلها، وكشف أمره وقتها، وبدلاً من نفيه كغيره إلى الصحراء، سمح له بالسفر إلى فرنسا لأن أمه فرنسية، ولكنه فقد الأمل في هذه المبادئ:

        "وقد كنت في وقت من الأوقات أؤمن بأفكار جعلتني صاحب عزيمة قوية، ودقعتني إلى الطموح حتى صرت أؤمل أن أحقق لنفسي السعادة ومن يدري فلعلي كنت سأحقق تلك الأمنية الرائعة لو تربيت في مكان آخر."

ص 198

ثالثا: تجربة الهحرة إلى فرنسا: لم يبق هناك حل لعامر أو لغيره من الشباب إلا الهجرة، لأن المناصب كلها احتلها الأوروبيون:

        "فهؤلاء المهاجرون الذين قدموا إلى الجزائر، أصبحنا نحن أهل البلاد نغبطهم على نعمتهم، لأنهم يحتلون أعلى المناصب، بل جميع المناصب، وليس منهم أحد إلا وتجده قد أثرى، وجمع مالاً وافراً بعد سنوات قليلة. أما نحن أهل البلاد، فلم يبق لنا شيء في بلادنا."

ص 267

        ولكنه اكتشف أن الهجرة لن تحسن وضعه ولا وضع الجزائريين البائس:

        "وما بقي لنا إذن إلا أن نذهب بدورنا إلى بلادهم... ولكن لا لنحتل المناصب، ولا لنجمع الثروات، بل لكي نحصل على رغيف العيش، سواء عن طريق العمل الشريف، او التسول، او السرقة، وهذه هي الصفقة الخاسرة التي يريدوننا أن نرضى بها."

ص 268

        ويتساءل بحرقة:

        "... ولكن قل لي بربك لمن هي بلادنا؟ أهي لنا ونحن نموت فيها من الجوع؟ كلا..."

الصفحة نفسها

        وقد عاد إلى القرية بعد تجربة مريرة فقد صديقه "سعيد" فيها.

رابعا: ضياع الأمل في الإصلاح: لم يستطع عامر تحمل عيشة الذل والمهانة في فرنسا وعاد إلى قريته التي اشتاق إليها، وظن بعد وفاة قائد القبيلة وأمين القرية وإجراء انتخابات جديدة أن عهد الظلم قد انتهى، ولكنه كان واهماً:

        "ولكن يا للأسف الشديد" فإن هي إلا أيام حتى ادركنا أن الأسماء وحدها تتغير. وأن الذين يتناوبون على الحكم أصبحوا عملاء للاستعمار، وجواسيس يتصرف فيهم الحاكم كما يشاء."

ص 164

تعليق:

        ويجدر بنا هنا أن نفتح قوساً خارج العلاقة لنشير إلى أن عامر بالرغم من يأسه، كان يؤمن بوجود قوة كامنة في شعبه لابد أن تنطلق:

        "ونحن اليوم وإن كنا مغلوبين على أمرنا، إلا أننا نشعر بوجود تلك القوة، وعندما تتحرر تلك القوة وتندفع إلى الأمام، فسوف تثير دهشة العالم... وعندئذ سوف يعرف الناس في شيء من الذهول أننا -رغم ما فينا من عيوب- قادرون على ان نجعل أمم الأرض تنظر إلينا بعين الاحترام والتقدير."

ص 271

        ولأنه متعلم، كان يعرف أن الجهل هو سبب مافي قومه من العيوب، وأن الثقافة هي الدواء:

        "إن السبب في ذلك بسيط، وهو أننا قوم محرومون من الثقافة، وكما أن أراضينا البور لن تصلح إلا إذا تعهدناها بالخدمة والحراثة، فكذلك نحن لانصلح إلا إذا تثقفنا."

الصفحة نفسها

الحب المنقذ:

        ومع ذلك دفعه يأسه من الحاضر إلى التفكير في الانتحار، ولكن حب ذهبية أنقذه:

        "لم أعد أشعر بالغربة في أن ألقي بنفسي إلى التهلكة، كما قررت أن لا أستسلم لليأس، فقد استحوذت ذهبية على عقلي، ولم تبرح صورتها خيالي، ولا لحظة واحدة."

ص 260

خوفه من الزواج:

        وبالرغم من حبه فهو عازف عن الزواج للأسباب التي ذكرناها وسيشرح ذلك لذهبية:

        "سأقول لها: "لايكفي يا عزيزتي أن تكون بيننا محبة ومودة لكي نعيش سعداء. بل على العكس: يمكن لهذه المحبة أن تجعلنا أشقياء. أليست الأرملة الشابة التي توفي عنها سعيد جديرة بالرثاء؟"."

ص 248

        وكان يرى بأن هجرته للعمل ليست حلاً للمشكلة:

        "أتريدين مني أن أقضي حياتي في الحل والترحال مابين فرنسا والجزائر؟ أتريدين أن يكون لك عدد كبير من الأولاد، وان تنشغلي بتربيتهم ريثما أعود من سفري المشؤوم كأنني الطائر المهاجر المنحوس؟ ألا تعتقدين أننا كالطيور المهاجرة المنحوسة؟ أنا متأكد أنك تعتقدين ذلك. لقد كتب لنا الشقاء والعذاب مدى الحياة."

ص 248

        ففكرة الزواج إذن لم تكن تروق له.

3- عائق ثالث يتمثل في خصمه مقران الذي ينافسه ويغار منه ويحسده منذ السنوات الأولى من الطفولة، وقد استطاع عامر الطفل التغلب عليه، فازدادت كراهيته وحقده:

        "ومنذ أن دخلنا المدرسة الابتدائية أخذ يكرهني، وأصر على كراهيته تلك إلى حد اليوم، وامتلأ قلبه بالحقد، حقد العاجزين... وليس في ذلك ما يدعو إلى الدهشة لأنني وسيم الوجه، بينما هو قصير القامة وبخيل، وانا متفتح مع الناس بينما هو خبيث السريرة ومنطو على نفسه، وأنا دائما أعد بين الأوائل في حين أنه بليد ومتخلف في دراسته."

ص 217

        وهو من أسرة غنية في القرية ولكنها اشتهرت بالخداع والمكر، وأخوه هو الذي وشى للسلطات الاستعمارية بعامر وأصحابه حين أسسوا خليّة حزبية في القرية. وقد تزوج مقران من "ويزة" صديقة "ذهبية". وكانت "ويزة" تعرف عامراً قبل زواجها وتستلطفه، وتمنت لو أنها انتظرت عودته من فرنسا ولم تتزوج من مقران.

        هذه باختصار هي العوائق التي وضعها الكاتب في طريق استمرار حبهما وتحقيق غاية الحب وهي الزواج.

د- تطور العلاقة بينهما:

        وقد حدد الكاتب مدة العلاقة بستة شهور تطورت الأمور خلالها بسرعة:

        "ستة شهور... اشتدت خلالها أواصر الحب بينهما."

        ص 17

1- تهاوي العوائق:

        وأخذت أهم العوائق تتهاوى وتتلاشى واحداً واحداً، فبالنسبة لاختلاف الدين، فقد كان كل منهما مستعداً لتجاوزه:

        إذ لم يعد يهم ذهبية أن تبقى على الديانة المسيحية، حسب ما قالته أمها:

        "ذهبية لم يعد يهمها أن تظل على الديانة المسيحية."

ص 65

        وعامر لايهمه أن تبقى على مسيحيتها وأن يناديها باسمها المسيحي "مونيك":

         "- أهذا هو الاسم الذي تعرفين به لدى المسيحيين...؟ طيب، سأناديك باسم "مونيك" ابتداء من اليوم."

ص 276

        أما بالنسبة إلى أمها وسمعتها السيئة، فكان ينظر إليها بعين التسامح والحب:

        "أما أنا شخصياً فإنني أحاول دائماً أن أتخلص من الأفكار المسبقة. ولذلك يهمني أن أعرف المزيد من المعلومات عنها لعلي أجد لننة "مالحة" عذراً لسلوكها السيء... ومن يدري فربما سأعثر لها على خصال حميدة. وأنا لا أشك مطلقاً أن "مالحة" امرأة متمسكة بمبادئها، وإن كانت مبادئ خاصة بها، ولذلك فأنا أحبها كثيراً."

ص 189

2- قبول فكرة الزواج:

        وقد قبل أخيراً فكرة الزواج ولكن على أساس الرحيل إلى حيث يمكن بناء مستقبل سعيد:

        "لا بدلي من الرحيل مع ذهبية... ولابد أن أنفض الغبار عني وأن أذهب إلى حيث تتوفر الإمكانيات ولا تخيب الآمال."

ص 264

سيذهب إلى إحدى المدن الكبرى، ولكن ليس في فرنسا بالتأكيد، بل في مدينة يستطيع العيش فيها كأحد سكانها لا يميزه عنهم شيء:

        "سوف أستقر في حي من أحياء مدينة كبرى. ولن يكون هذا الحي في "سان دنيس" ولا في "كوريفوا"، ولن تكون هذه المدينة الكبرى هي "باريس" ولا "مرسيليا" ولا "ليل" بل سأختار المدينة التي ترحب بي وتعتبرني أحد أبنائها."

ص 268

        لقد فتح حبها له أبواب الأمل المسدودة:

        "وقد عثرث على هذه الضالة المنشودة في اللحظة التي انغلقت فيها جميع الأبواب أمامي، واعتراني ملل من كل شيء، بل حتى من نفسي... وها أنا ذا أرى الجدار الذي سد أمامي الطريق، قد اختفى بتأثير قوة سحرية، وأن الأفق المغلق انكشف فجأة ليطلعني على عالم مشرق رائع."

ص 278

هـ- تعقد العلاقة من جديد:

1- طيش عامر:

        لم يبق هناك عائق يحول دون زواجهما، ورحيلهما إلى حيث يبنيان عشاً سعيداً، وفجأة تعكر الجو، وعادت الخصومة بينه وبين مقران إلى الظهور، ومقران حاسد قديم، لم تعجبه عودة عامر بعد أن تزوج من ويزة "وهي من أجمل البنات في القرية" لأنهما كانا من قبل يتبادلان الإعجاب، وقال عامر في نفسه وهو يرى نظرة الحقد في عين مقران:

        "لقد وجدت إليك منفذا با هذا، وسأجنن عقلك..."

ص 218

        وحين ماتت أم عامر سمعه مقران يتكلم عنه بسوء مع سكان القرية:

        "كان يتكلم عني وعن المرحومة أمي، ويقول لهم: إن صلاة الجنازة لا تصح على أمي لأنها رومية، وأنا أيضا رومي."

ص 167

        وقد ضربه يومها عامر وشفا غليله منه.

        وتبع عامر "ويزة" مرة إلى الحقل، وقبل أن يلتقي بها ظهر مقران فجأة:

        "وفجأة رأيت مقران واقفاً بيني وبينها كأنه خرج من جوف الأرض. وبقينا لحظة واقفين وكل واحد على بعد خطوات من الآخر، إلا أننا لم نتبادل أية كلمة."

ص 219

        وأضمر مقران في نفسه شراً وبدأ بزوجته المسكينة فضربها ضرباً مبرحاً حتى فرت إلى بيت أهلها، وبقي عليه الانتقام من عامر.

2- غيرة ذهبية:

        كانت ذهبية تعتبر ويزة الصديقة الوحيدة لها في القرية، وكانت تغار على عامر منها:

        "كانت بالفعل خائفة من ويزة لأنها الفتاة ذات الجمال والجرأة والحسب والنسب، ولئن كانت ويزة مخطوبة، فإن هذا لايغير من الأمر شيئاً."

ص 117

        وتحولت الغيرة إلى عذاب مستمر عندما لاحظت اهتمامها بعامر:

        "ومنذ تلك اللحظة أخذت تشعر بالغيرة، وتحولت الغيرة إلى عذاب لا يكاد يطاق."

الصفحة نفسها

        وبدأت تراقبهما وتتجسس عليهما، وهما لايدريان، وكانت تقنع نفسها بأن عامر وويزة لايمكن ان يكونا على علاقة:

        "إن عامراً، رجل لايمكن أن ينحط إلى تلك الدرجة الدنيئة، وأن ويزة من أحسن صديقاتها، وإذا كانت غير سعيدة في زواجها، فهي على كل حال وفية لزوجها ومخلصة له."

ص 121

        وشاع في القرية أن مقران سيطلق "ويزة" وأن عامراُ ربما يتزوج بها.

3- خيانة ذهبية:

        لقد تحولت الغيرة من شك إلى يقين في نظر ذهبية:

        "أما ذهبية، فقد تيقنت في قرارة نفسها أن مقران وجدهما في حالة مشبوهة. وهذا اليقين زادها يأساً وقنوطاً بل حطمها تماماً... ثم خفت حدة غضبها، لأنها لم تعد تحس بشيء: لقد كانت منهارة."

ص 123

        وقد بين عباس محمود العقاد شدة صدمة الغيرة عن يقين:

        "وإن كانت الغيرة عن يقين فهناك الصدمة القاتلة، كأنما هي صدمة المقبل بكل قوته إلى حيث يهدأ ويستريح، فإذا هو يستقبل الضربة المصمية في المقتل الأمين."

ساعات بين الكتب ص  

الخيانة:

        وقد كانت علاقتها بمقران من قبل علاقة سيئة، فقد تحرش بها فدافعت عن نفسها وصدته، وتعرض لها في طريق العين فشتمته، ثم لم يعد يعيرها أي انتباه، ولكنه في قرارة نفسه كان مفتوناً بها، ولكنها بعد صدمتها، التقت به وهي راجعة من العين فأشفقت عليه لأنه مصدوم مثلها:

        وأحست بقلبها يخفق، واحمر وجهها، فقالت في نفسها: "يالها من مصادفة... مسكين والله... سأبتسم له اليوم، لأنه يبعث على الشفقة."

ص 123

        وتقدم كل منهما من الآخر ثم سارا معاً إلى الكوخ:

        "وصلا في نفس الوقت إلى السياج، ورفع كل منهما بصره في نفس اللحظة، وبقيا مدة من الزمن وجهاً لوجه وكل واحد منهما مسحور بالآخر، ومنذ تلك اللحظة لم تعد تذكر ماحدث بالضبط... إنها لاتدري هل أمسك بها من يدها ليسحبها معه إلى الكوخ. أم أنها سارت خلفه من غير مقاومة."

ص 124

        وبعد ان اعتدى على عفافها حملها رسالة إلى عامر:

        "بلغيه أنني سويت القضية القائمة بيني وبينه حول الشرف: فقد أخذت ثأري. اما ويزة فإني أسامحها على ما فعلت."

ص 124

        ثم قال لها وهو يقهقه:

        "-أما البقية... يجب أن تبلغيه البقية... وإن كنت لا اعتقد أنك ستفعلين... قولي له من أنا إذا كان لايعرفني... انا مقران، مقران آيت سليمان."

ص 125

انهيار الحب ونهاية عامر:

        زار عامر ذهبية في بيتها، وكان خالي الذهن مما حدث، ولاحظ ارتباكها وتعثر كلماتها، وهي تبحث عما تقوله له:

        "-المشكلة هي أنني أحبك، غير أني لست جديرة بك."

ص 276

        وتشعب الحديث إلى ماضيها وأبيها والآباء البيض، ولكنه عرف منها في النهاية أنها فقدت عذريتها. ولم يدر من الفاعل، ولكنها حذرته قبل أن ينصرف من مقران، وحين عاد إلى الدار، راجع شريط الأحداث واستنتج ان مقران هو الفاعل:

        "سامحيني ياذهبية، فقد أدركت الآن كل شيء... أدركت قصدك حين قلت لي منذ حين، وأنت تجهشين بالبكاء:

        "-أراك تريد الانصراف... خذ حذرك من مقران... إنه ينوي أن يقتلك." ولكن هززت كتفي غير مكترث، وانصرفت وأنا أشعر بالاشمئزاز."

ص 281

        وظن عامر أن مقران اعتدى عليها واغتصبها بالقوة:

        "فليس من الممكن أن تكوني قد استسلمت له عن طواعية واختيار، ومثل هذه الفكرة لاتخطر على البال أبداً. ولكنه على كل حال انتقم لنفسه منك ياذهبية المسكينة."

ص 281

        لقد كانت تمثل له قارب النجاة الذي سينقذه من لجج اليأس والضياع، ولكنها ضاعت في هذه اللجج، وكانت عذريتها تمثل له الطهارة والنقاء، وحين تحدث عن سعي العمال المهاجرين للفوز بفتاة مناسبة عذراء تمنى أن تكون ذهبية كذلك:

        "على أن تكون تلك الفتاة عذراء -مثلما آمل أن تكوني ياذهبية- وأن تكون من ذوات الصون والعفاف."

ص 249

        لقد انتهى كل شيء بينه وبينها، وهو عازف عنها ليس لأنه يهتم بكلام الناس أو مواقفهم، بل لأنها كانت خيط الأمل الذي ربطه بالدنيا وقد انقطع الآن:

        "بل أنا عازف عنك لأنك خيبت أملاً بسيطاً، وكنت أنت ذلك الأمل الذي أعاد الثقة إلى نفسي، وجعلني أعتقد أنني سأصبح رجلاً عاقلاً كغيري من الناس. كنت ذلك الأمل الذي جعلني أطمع في السعادة والحب الطاهر."

ص 282

        وقد ضاع هذا الأمل الآن، وضاع معه الحب والثقة:

        "أما الآن فأنت في نظري كالشخص الغريب الذي لا أعرفه."

ص 282

        واستعد عامر للانتحار بشرب أقراص دواء كان الطبيب قد وصفه لأمه، ولكنه سمع صوت مقران يدخل إلى الدار.

        وفي اليوم التالي نشر في الصحف أن عامر نايت العربي انتحر برصاصة مسدس اخترقت صدغه.

5- اعتراف ذهبية بخطيئتها:

        وقد قرأت ذهبية يوميات عامر التي ذكر فيها قصته معها وبكت واعترفت بغلطتها:

        "أعترف لك يا عامر أنني لست بريئة. فقد دفعني الجنون إلى أن أخون عهد الوفاء، لأنني شعرت ذات يوم بالغيرة. وتملكني حزن شديد، فدعوت لك بالشر. لست بريئة."

ص 40

        وهكذا أنهى الكاتب العلاقة بمأساة مزدوجة هي انهيار الحب وموت "عامر"، ليظهر أن العلاقات كلها في ظل الاستعمار والاحتلال علاقات مختلة بما فيها علاقة الحب.

IV- أسلوب الكاتب:

        لقد أعدنا ترتيب العلاقة لغرض دراسي، أما الكاتب فقد بدأ روايته بموت عامر، وإحضار ذهبية "ويومياته" لقراءتها، وقد جعلتها الصدمة غائبة عمن حولها، واستعمل "فرعون" في روايته أسلوبين أساسيين هما:

1- الأسلوب المباشر: حيث يروي الأحداث بلغة الغائب في القسم الأول من الرواية من ص1 إلى ص127، ولكنه يضفي على هذا الأسلوب شيئا من الحيوية، حين يدخلنا إلى نفوس الشخصيات ونعرف مايدور في داخلها:

        "أما ذهبية فكانت تقول في نفسها: صحيح أن..." ص 25

        "قالت مالحة مسلية نفسها: مالي..." ص 50

        "قال مقران في نفسه: خطيبتي..." ص 93

        "وفكر في نفسه: سأبقى هكذا..." ص 96

        ويعرض القسم الأول وقائع علاقة الحب من وجهة نظر ذهبية.

2- أسلوب اليوميات: حيث خصص القسم الثاني من الرواية، ليوميات عامر، وتقع في اثنتي عشرة يومية، من 20 إلى 31 يناير من الخمسينات. مع ملحق عما نشر في الصحف بتاريخ 2 فبراير بخصوص انتحار عامر. وفي هذا القسم يتحدث عامر بلغة المتكلم عن ماضيه وحاضره وأفكاره، ويعيد سرد وقائع العلاقة من وجهة نظره، مازجاً الماضي بالحاضر عن طريق استعادة الذكريات.

        وأسلوب الكاتب في جعل القارئ يعيد ترتيب الأحداث التي يقدمها مجزأة وبطريقتين مختلفتين، أسلوب متميز، يدفع القارئ إلى اليقظة والمقارنة والاهتمام بكل عبارة أو كلمة.

الأسئلة:

1- وضح أسباب خوف عامر من الزواج. ورتبها حسب الأولوية.

2- لماذا كانت الآفاق مسدودة بالنسبة إلى الجزائريين أثناء الاستعمار؟

3- هل انتحر عامر أم قتل؟ وضح وعلل.

4- من المسؤول في رأيك عن فشل علاقة الحب بينهما؟ بين مسؤولية أحدهما أو كليهما مع التعليل، آخذاً في الحسبان السن والثقافة، وما الذي تستنكره من كل منهما؟

5- ما مسؤولية مقران فيما حدث؟

6- بين العبارة التي تنبأ عامر فيها بقيام الثورة الجزائرية.

7- بماذا شبه عامر الثقافة؟ ومادورها في تقدم المجتمع؟ قارن بين وضع المجتمع الجزائري الآن، ووضعه أثناء فترة الاحتلال.

 

 لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل التاسع: العلاقات الاجتماعية

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل السابع: العلاقات العاطفية - 2- الحب

 للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: العلاقات الإنسانية

للاطلاع على الكتب الأخرى، انقر هنا:  كتب أدبية وتربوية