الفصل الخامس

من رواية "العرس المشهود"

للكاتب عبد الله خمّار

 

 

   خالتي زهيّة

خرجت نور من الجريدة متوجهة إلى مسكنها في شارع بلوزداد "بلكور". وفي الطريق رأت خالتي زهيّة على كرسيها المتحرك مسندا كالعادة إلى الجدار الخارجي لمقبرة سيدي محمد.

كان وجهها الشديد السمرة ينطق بالبؤس والأسى، ليس من تجاعيد السنين المحفورة فيه بل من الهزال والاصفرار والنظرة الحزينة في عينيها الغائرتين، وهي مع ذلك لا تشكو ولا تتذمر حين تحدثها نور، وتحمد الله على ما أعطاها وعلامات الرضا في حديثها تناقض بشدة تعبيرات وجهها وحالة جسمها.

كانت ترتدي ثوبا من المخمل الأزرق يبدو أنه من الثياب المستعملة التي يتصدق بها عليها المحسنون، وتضع على ركبتها ملاءة بيضاء تصل إلى قدميها تغطي رجليها المشلولتين. لم ترها في الصباح فهي لا تأتي إلا بعد العاشرة لأن ابنها الذي يحضرها إلى هذا المكان لا يستيقظ باكرا، ابتسمت ابتسامة باهتة حين رأت نور ثم أجهشت بالبكاء.

قبل أيام مرت نور بخالتي زهية وأخبرتها بوفاة أمها فبكت بكاء مرا وأخذت تنتحب وتلطم وجهها بيديها في الشارع حتى تجمع الناس عليها يتساءلون عمّ حصل، انحنت عليها نور وعانقتها قائلة: "هذا أمر الله. اقرئي لها الفاتحة". وحين رأتها اليوم، أجهشت بالبكاء قبل أن تصل إليها.

تتذكر نور خالتي زهية منذ كان عمرها سبع سنوات. كانت تساعد أمها في أعمال المنزل يومين في الأسبوع. عرفت فيما بعد أن أباها سعى لها بوظيفة منظفة في المؤسسة التي يعمل فيها أمينا للخزنة. وظلت تأتي مرة في الأسبوع لتساعد أمها في تنظيف المنزل.

وبعد وفاة أبيها واتهامه بسرقة الخزنة، انقطعت زيارة خالتي زهية مباشرة للعائلة بعد اتهام الأب، ولم تحضر العزاء بعد موته، وفي أحد الأيام رأتها نور وهي عائدة من المدرسة في هذا المكان على كرسي متحرك. كانت تبيع المناديل الورقية ويتصدق عليها الناس ويعطفون عليها. عرفت نور أنها تعرضت لحادث سيارة مات فيه زوجها وجعل رجليها مشلولتين.

حزنت أمها كثيرا حين سمعت الخبر، وكانت تأتي إليها بين الحين والآخر وتحضر لها الطعام والحلوى وتتصدق عليها ببعض الدنانير القليلة التي تقتطعها من مصروف الدار. تعودت نور أن تمر بها أيام امتحانات الشهادة المتوسطة والثانوية ثم امتحانات الجامعة وتطلب منها أن تدعو لها. كانت خالتي زهية ترفع يديها إلى السماء وتدعو بحرارة: "ربي ينجحك ويسعدك يا بنتي".

 *                      

قالت خالتي زهية بصوت حاد ولكنه رقيق كصوت الطفل: "الله يرحم أهلك اللي ربوكِ".

تنهدت نور وقالت: "الله يرحم أمي، كانت امرأة طيبة".

 علقت زهية: " وأبوك كان رجلا طيبا".

ردت نور بمرارة: "كان رجلا طيبا! دمّر نفسه ودمّرنا سامحه الله".

قالت خالتي زهية: "أبوك يا ابنتي كان من أطيب الناس".

هزت نور كتفيها وقالت: " هكذا تقول عنه أمي أيضا، وكانت مقتنعة ببراءته".

قالت خالتي زهية بإصرار: "هي تعرفه أكثر منك".

ردت نور بحماس: "لا، هي لا تعرفه. عاشت معه عمراً ولم تعرف أنه مقامر. كانت مغشوشة فيه وظلت كذلك حتى وفاتها"، ثم صعّدت اللهجة مستخلصة: "لو كان بريئا لما سلبت المؤسسة منا كل ما نملك".

أجهشت خالتي زهية فجأة بالبكاء وصاحت بصوتها الطفولي المميز والدموع تكاد تخنق صوتها: "أبوك بريء يا ابنتي أقسم على ذلك".

سألتها نور: "وهل يسرق البريء المال الذي اؤتمن عليه؟"

مسحت خالتي زهية دموعها، وجذبتها إليها وهمست في أذنها: "ليس هو الذي سرق. السارق هو عبد الكريم الجايح".

رددت نور باستنكار: "الجايح !هل هذا اسمه".

همست خالتي زهية: "نعم، اسمه الجايح لكنه ليس "جايح" بل هو خبيث".

سألت نور باهتمام: "من هو؟ لم أسمع به من قبل".

تابعت خالتي زهية: " كان موظفا في المؤسسة مع أبيك، وكان ساعتها في المؤسسة مع أبيك حين أصيب بالأزمة القلبية".

لم تقتنع نور بكلام خالتي زهية فسألتها: "كيف تتهمينه مع أن أحدا لم يذكره لي ولم يتهمه من قبل؟".

ردت خالتي زهية بلهجة الواثق مما يقول: "هو الذي سرق وهو الذي أخبر لطفي بولعيون صاحب المؤسسة أن أباك كان مقامرا، واعترف له بأن عليه ديون كبيرة بالملايين لا يستطيع تسديدها".

ردت نور غير مصدقة: " أنت أيضا صدقت أن أبي بريء وتريدين إلصاق التهمة بآخر؟".

أجابت خالتي زهية بثقة: " أنا أعرف ما أقول". ترددت قليلا ثم تابعت: "سأعترف لك بكل شيء ولكن عديني أن تسامحيني بعد أن تسمعي الحكاية".

قالت نور دون تفكير: "أعدك بذلك".

نظرت خالتي زهية إليها مليا ثم حولت نظرها عنها وبدأت تتكلم: "كنت في صباح ذلك اليوم المشئوم أعمل في المؤسسة كمنظفة. كان يوم الجمعة يوم عطلتي الأسبوعية، لكن أباك طلب مني أن أنظف مكتب رئيس المؤسسة السيد بولعيون لأنه سيعود من العطلة مساء ذلك اليوم. كانت الساعة التاسعة تماما حين دخلت إلى المؤسسة. فتح لي العسّاس الباب ثم رأيته يسلم المفاتيح إلى البواب ويخرج. نظرت من شباك أمانة الخزنة فوجدت أباك في مكتبه يحسب النقود ويضعها أمامه أكواما ويسجل في الدفتر الذي أمامه، خفت أن أزعجه فلم ألق عليه تحية الصباح وتوجهت إلى غرفة المدير داخل الرواق لأنظفها. جاء البواب بعد قليل وأخبرني أن سيارة صدمت ابن عمار الصغير وأن الجايح حمله مع أبيك في سيارته إلى المستشفى، تألمت لما حدث له وكنت قلقة على الطفل وعليه فهو الذي وفر لي العمل في المؤسسة.

وحين أتممت تنظيف الغرفة وخرجت رأيت المحاسب عبد الكريم الجايح الذي يعمل مع أبيك متوجها إلى باب الخروج وبيده شكارتين كبيرتين سوداوين من التي توضع فيها القمامة، أردت أن أسأله عن الطفل لكنه فتح الباب بسرعة وخرج بينما بدأت بتنظيف الرواق ثم عاد بعد قليل ودخل بسرعة إلى مكتبه. ربما غاب خمس دقائق أو أكثر، لست أدري.

وحين فتح بولعيون الخزنة صباح يوم الأحد وجدها فارغة وقد اختفت كل أنواع العملة الصعبة والجزائرية ومجوهرات عائلته التي وضعها في الخزنة قبل ذهابه للعطلة. ادعى البواب أنه لم يغادر مكانه ولم يغفل لحظة واحدة عن الحراسة والمراقبة، وأكد أنه لم ير أحدا يدخل أو يخرج سوى المحاسب عبد الكريم الذي دخل مسرعا ليبلغ أباك بما حدث لابنه ثم خرج مسرعا معه إلى المستشفى وعاد إلى مكتبه. وأضاف أن عبد الكريم هو الذي أبلغه بعد رجوعه بوفاة الابن ووفاة الأب بالسكتة القلبية.

وصباح يوم الأحد حدثت فوضى كبيرة في المؤسسة وسمعتهم يتحدثون عن سرقة واختلاس اتهم بهما أبوك.

أخبرت زوجي بما حدث وبما رأيت ففرك يديه وخرج من الدار مسرعا، وحين عاد طلب مني ألا أخبر أحدا بأني رأيت المحاسب عبد الكريم يحمل شكارتين كبيرتين سوداوين ويخرج بهما من المؤسسة. سألته عن السبب فأجاب: "إذا اتهمت أحدا سوف يتهمك بالكذب وربما بالسرقة وسيصدقونه ولا يصدقونك. ما لنا وللناس؟ إذا سألك رجال الشرطة فقولي: "لم أر شيئا، لم أسمع شيئا، لا أعرف شيئا. احفظي اللام تحفظك". وهكذا كان فحين استدعيت للتحقيق أدليت بإفادتي وقلت إني كنت أنظف غرفة المدير فلم أر شيئا ولم أذكر حكاية الشكارتين السوداوين.

كان زوجي يعمل أحيانا ببيع الملابس على الرصيف في شارع بلوزداد، وأحيانا يتهم بالسرقة فيدخل السجن بضعة أسابيع وأحيانا بضعة أشهر. فجأة استخرج جواز سفر وقال لي:

"ذهب الخبيث إلى فرنسا وسأتبعه إلى هناك لآخذ منه نصيبي".

سألته: "أي نصيب؟".

نظر إلي باحتقار ثم أجاب باستهزاء: "ألم تفهمي ياغبية أن عبد الكريم الجايح هو سارق خزنة مؤسسة بولعيون؟".

كنت غبية كما قال فلم أفهم. سألته: "كيف عرفت؟".

ضحك وأجاب: "هل تذكرين الشكارتين اللتين رأيت عبد الكريم الجايح يخرج من المؤسسة وهو يحملهما ثم يعود بعد دقائق؟"

-  "نعم شكارتا القمامة".

-  "لم تكن فيهما القمامة. كانتا مليئتين بالأموال التي سرقها من خزنة عمّار الشطي. حين حدثتني عن الشكارتين عرفت بأنه السارق وقد خرج ووضعهما في سيارته ورجع. بحثت عنه وعرفت أنه سافر إلى فرنسا، سأعمل وسأجمع النقود اللازمة وسأبحث عنه في كل أنحاء فرنسا فإما أن أغتني معه وإما أن أقتله".

ذهب زوجي بعد ذلك إلى السيد بولعيون وطلب منه عنوان الجايح. وأخبرني زوجي أن السيد بولعيون استدرجه في الحديث حتى أعلمه بأن الجايح هو السارق. قال لي زوجي: "عرف بولعيون أنني سأظل أبحث عن الجايح بجد حتى أجده. سألني: "لماذا تبحث عنه". أجبته بما خطر في بالي ساعتها، قلت له: "وعدني أن يقرضني مالا لأشتري سيارة وأعمل عليها لأعيش أنا وعائلتي". عرف أني أريد أن أقتسم مع الجايح لأنني شاهدته يخرج الشكارتين المليئتين بالمال المسروق. فكر برهة ثم قال لي: "أنا أعطيك مليار ونصف مليار سنتيم على سبيل القرض الحسن لتشتري سيارة ولتسدده متى تشاء". سألته: "وإن لم أستطع تسديد القرض؟" فكر برهة ثم أجابني: "سوف أسامحك"، وأضاف: "إن التهمة الآن ثابتة على عمار الشطي وأنا أنتظر أن تعوضني شركة التأمين عن المال والمجوهرات المسروقة من الخزنة. وإذا شهدت زوجتك زهية بأنها رأت الخزنة مليئة بالنقود وأن السارق هو عبد الكريم الجايح فلن تعوضني شركة التأمين. لم يترك الجايح عنوانه وقد يستغرق البحث عنه شهورا وربما سنوات يكون خلالها قد صرف المال المسروق، وبالتالي لن أستعيد أموالي، ولن أستطيع أن أقرضك المال إلا بعد انتهاء المحاكمة". عرفت أنها رشوة كي لا أبحث عن الجايح ولا أفتح فمي حتى لا أضيع عليه تعويض شركة التأمين. تنهد زوجي مضيفا: "لكنني سأبحث عن الجايح، لن يهرب مني وسأتبعه حتى لو كان في آخر الدنيا".

غاب عبد الكريم الجايح عن المحاكمة لأنه كان في الخارج. وأكد بولعيون صاحب المؤسسة في التحقيق أن أباك أسر للمحاسب عبد الكريم بأنه خسر مبلغا خياليا في القمار لا يستطيع أن يسدده وهو يفكر في الانتحار، وزعم أنه نصحه بإخبار مدير المؤسسة فربما يجد له حلا وأن الأزمة القلبية التي أصابت أباك كانت بسبب خوفه من مواجهة الفضيحة. حوكم أبوك بعد موته وصدر الحكم بإدانته ومصادرة أملاكه، وكان موظفو المؤسسة حائرين بين مصدق أمام ما رآه بعينه من فراغ الخزنة بأن أباك كان مقامرا، وبين مكذب لما يعرفه من أخلاق أبيك ولكنه لا يستطيع أن يثبت براءته.

أخبرني زوجي أن بولعيون وفى بوعده وأعطاه المبلغ المتفق عليه واشترى سيارة، لكنني لم أصدقه فهو يكذب كثيرا. لطفي بو لعيون بخيل ويحاسبني على بقايا الصابون المسحوق فكيف يمكن أن يمنحه مبلغا كبيرا كهذا؟ ربما جاء بهذا المال من عبد الكريم الجايح أو ربما سرقه. على كل حال، أدركت متأخرة أنني شاركت في اتهام الرجل الذي ساعدني لأنني لم أشهد بالحق، لكنني كنت أخاف من زوجي الذي يتحين أي فرصة ليضربني بقسوة، فقلت في سري: "حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفي عبد الكريم".

بان الغيظ في وجه نور لكنها تحاملت على نفسها وكتمت غيظها لتسمع بقية الحكاية. تابعت خالتي زهية: "وحين توفيت والدة أحد أصدقائه ممن تعرف عليهم في السجن اصطحبني معه لنقدم واجب العزاء في إحدى القرى الجبلية بالأوراس. كان الطريق مليئا بالمنعرجات. وأرادت حافلة لنقل المسافرين في الاتجاه المعاكس أن تتجاوز شاحنة فاصطدمت بنا. قتل زوجي في الحادث فورا وكسر عمودي الفقري. أصبحت معاقة إلى الأبد. ومن حسن الحظ أننا لم نصطحب ولدنا فنجا".

كان الحديث بينهما همساً، ولكنه حديث ذو شجون. كانت نور تستمع باهتمام إليها، وتتجمع في صدرها نيران الغيظ الملتهبة التي تحاول جاهدة كتمها.

تابعت خالتي زهية حديثها قائلة: "لم أتكلم في البداية لأنني لم أكن أعرف الحقيقة، وحين عرفتها كان أوان الكلام قد فات فقد مات عمي عمّار. وكنت خائفة من زوجي وخائفة على ولدي. لكن زوجي مات ولقي جزاءه. وأصبح ولدي مدمنا على المخدرات، يحضرني في الصباح إلى هنا ليتصدق عليّ الناس ويعود في المساء ليأخذني ويأخذ ما جمعته من دنانير. لم يفلح في الدراسة ولا في العمل. حين أراك وأرى كيف استطعت أن تواجهي الحياة مع أمك وتنجحي في الدراسة أتأكد بأن الله يمهل ولا يهمل. ماذا فعل المال الحرام لنا؟ سامحيني يا ابنتي".

انفجر البركان المكتوم في صدر نور في وجه خالتي زهية في شكل حمم متلاحقة. حاولت نور ألا ترفع صوتها ولكنها لم تستطع كبح جماح غضبها، فزمجرت: "أسامحك على ماذا؟ على أنك تسببت في اتهام أبي ظلما بالاختلاس وهو بريء؟ كان بإمكانك أن تشهدي بأنك رأيته بعينيك حينما دخلت إلى المؤسسة يحسب النقود ويضعها أكواما فالخزنة لم تكن فارغة، لكنك لم تفعلي". كان وجهها شديد الحمرة وعيناها متقدتان بالغضب يتطاير منهما الشرر كما يتطاير الزبد من شفتيها مع كل عبارة نارية تمطر بها خالتي زهية. انحنت عليها وتابعت بصوت مرتجف مرتفع لفت أنظار بعض المتطفلين من المارة فتوقفوا يتابعون الحوار: "كنت تستطيعين أن تشهدي أنك رأيت المحاسب يخرج وبيده شكارتين ثم يعود، لكنك لم تفعلي. هل أسامحك على ما سببته لأمي من تعاسة باتهام زوجها بالسرقة وتلطيخ سمعته وسمعة العائلة كلها؟ كان بإمكانك أن تشهدي بالحق. لكنك لم تفعلي.هل أسامحك على الحياة الضنكة التي عشتها أنا وأمي بعد أن طردتنا شركة التأمين من الفيلا وصادرت أثاثها؟ أم أسامحك على ما تحملته في المدرسة من زميلاتي وزملائي لقناعتهم بأن أبي كان مقامرا ومختلسا وسارقا وخائنا للأمانة؟. كنت تستطيعين تغيير كل ذلك لكنك لم تفعلي، أنت لا تعرفين ما قاسيته أنا وأمي والعار الذي لطخ سمعة أبي وسمعة العائلة".

طأطأت خالتي زهية رأسها وقالت: "أعرف يا ابنتي".

خرجت نور عن طورها وصرخت: "لا، أنت لا تعرفين، لو كنت تعرفين لما سكت طيلة هذه المدة".

شحب لون خالتي زهية وانكمشت في كرسيها وأخذت يداها ترتعدان وصدرها يعلو ويهبط ثم أجهشت بالبكاء. كأنها لم تكن تدري فظاعة ما فعلته بسكوتها. تدخلت امرأة من المتجمهرات صارخة في وجه نور: "اتركي هذه المسكينة وشأنها"، وأيد الحاضرون بكلمات مبهمة ما قالته المرأة ووجهوا اللوم لنور.

صاحت خالتي زهية: "لا تلوموها فالحق معها. أنا المذنبة. أنا المذنبة لأني سكت. لكنني عرفت بعد أن فات الأوان".

صاحت نور: "لا يفوت الأوان أبدا لقول الحقيقة".

تنهدت خالتي زهية ثم زفرت زفرة طويلة وقالت معتذرة: "أنا امرأة جاهلة لا أعرف ما يدور حولي ولم أدرك إلا متأخرة ما حدث، لو كنت متعلمة لما حدث ما حدث. الجهل مصيبة يا ابنتي، لم يرض أبي رحمه الله وسامحه أن أدخل إلى المدرسة لأتعلم القراءة والكتابة ولا حتى إلى الكتـّاب رغم توسلات أمي. كنا ثلاث أخوات بنات رفض أن يسمح لنا بالخروج لتعلم الخياطة والطرز كما رفض أن تأتي المعلمة إلى دارنا. وبعد موته عملت أنا وأخواتي في تنظيف البيوت وتعرضنا لمصائب كثيرة. تزوجت رغما عني من شاب معروف في الحي بالسرقة و"البلطجة". تزوجته لأنني لا أستطيع أن أبقى عزباء وحيدة دون رجل يحميني، وكان من حسن حظي أن عملت في داركم وسعى لي أبوك بوظيفة في المؤسسة".

خففت نور من حدة لهجتها وقالت: "لا يفوت الأوان أبدا لقول الحقيقة. هل أنت مستعدة الآن للشهادة في المحكمة بأن أبي بريء؟".

-  "نعم أنا مستعدة للشهادة".

-  "إذا سوف أسأل عن الإجراءات وأعود إليك في الغد".

-  "أنا مستعدة يا ابنتي لأشهد بالحق".

عانقتها نور وقبلتها من وجنتيها وانصرفت، وتفرق المتجمهرون.

 *                      

حين اقتنعت نور ببراءة أبيها حكت لمختار صباح اليوم التالي ما حدث له وأخبرته بما قالته خالتي زهية. تعاطف معها وفكر مليا ثم قال لها: "أعتقد أن خالتي زهية على حق وزوجها يكذب. لا مصلحة للسيد لطفي بو لعيون في اتهام أبيك البريء وتبرئة الجايح إلا أن يقبض تعويض شركة التأمين بسرعة. وهو أمر لا يقوم به رجل أعمال له سمعته".

اقترح عليها الذهاب فورا لمقابلة خالتي زهية مع المسجلة والكاميرا لتسجيل شهادتها. وأكد لها أن هذه الشهادة هي الخطوة الأولى في طريق تبرئة أبيها وإعادة الاعتبار له.

قالت له نور: "لن تكون هناك قبل العاشرة فابنها الذي يحضرها لا يستيقظ باكرا فهو مدمن على المخدرات".

وقبل العاشرة بدقائق انطلقا في سيارة مختار "كليو"، ووجدا بصعوبة مكانا لركنها بعد دفع أجرة مضاعفة للحارس الشاب. وحين وصلا إلى مكان خالتي زهية المعتاد لم يجداها، وانتظرا نصف ساعة فلم تأت. سألا البائع الكهل في كشك الصحف والسجائر القريب من مكانها فقال لهما: "خالتي زهية لا تتأخر عن الحضور في موعدها إلا إذا كانت مريضة".

التفت مختار إلى نور وسألها: "هل تعرفين أين تسكن؟".

-  "نعم. كانت أمي ترسلني لأحمل لها بعض الحلوى والنقود في العيد".

-  "هل المكان بعيد؟"

-  "لا، ليس بعيدا".

-  "هيا بنا إذاً. لنترك السيارة ونذهب سيرا على الأقدام".

 *                      

في أحد الأزقة المتفرعة من شارع بلوزداد، دار قديمة جدرانها مهترئة من الخارج. استبدل معظم قرمود سطحها بالخشب والصفيح. تظنها على البعد مهجورة، وما إن تقترب منها حتى ترى بابها الخشبي المغلف بالقصدير ينفتح وينغلق وتخرج منه أشكال شبيهة بالبشر في هياكلهم وتحسبهم أشباحا من شحوبهم وهزالهم وأسمالهم التي حال لونها.

 دفع مختار الباب فسمع له صرير مزعج ودخل مع نور ثم هبطا درجتين ودخلا في رواق مظلم كأنه مغارة الساحرات، تضيئه لمبة شاحبة أشبه بالشمعة تتدلى من سقفه المتداعي. كان الرواق يضم صفين من الغرف على اليسار واليمين، بعض أبوابها من الخشب وبعضها الآخر ستائر سميكة خيطت من الثياب القديمة تقوم مقام الباب، وأطلت من وراء هذه الستائر وجوه كالحة تستطلع طبيعة ووجهة القادمين.

قال مختار مستغربا: "عيب علي وأنا الصحفي ألا أعرف أن هناك فقرا في العاصمة مثل هذا".

أشارت نور إلى باب في آخر الرواق حيث تسكن خالتي زهية. طرقت الباب فليس هناك جرس، فأجابها صوت نسائي بلهجة خشنة: "من يطرق الباب؟".

-  "هل خالتي زهية هنا؟"

فتحت الباب وسدت المدخل امرأة سمراء تبدو عجوزا شمطاء انبعثت منها رائحة نتنة كأنها لم تستحم ولم تبدل الثوب الأسود الذي ترتديه منذ أشهر. ولكن من يدقق النظر فيها يرى أنها صبية أنهكتها الهموم، فرسمت على وجهها بعض التجاعيد. نظرت إلى نور بعينيها الجاحظتين اللتين تقدحان شررا وسألت بلهجة عدائية: "ماذا تريدين من زهيّة؟". رأت مختار يحمل الكاميرا فتنحت عن الباب قليلا ونادت: "بوعلام! تعال يا بوعلام! انظر من عندنا".

صاح صوت غليظ من الداخل: "انتظري يا بركاهم دقيقة وسآتي".

برز كرسي خالتي زهية وأطلت برأسها ووقفت بجانب المرأة محاولة فتح الباب على مصراعه مرحبة: "أهلا بك يا ابنتي، أرجوك سامحيني".

نظرت نور إليها ولمحت في ضوء الغرفة الباهت آثار أصابع على خدها الأيمن وآثار خدوش خمنت أنها خدوش أظافر على خدها الأيسر بينما التقط مختار لها صورة خاطفة.

سألتها نور: "ماذا حدث لوجهك؟ من فعل بك ذلك؟".

دفعت المرأة الكرسي إلى الخلف وسدت فتحة الباب صارخة: "أنا التي ضربتها لأنها تريد أن تفضحنا بين الناس. هل أنت التي تريدين تصويرها وهي تفضح والد ابنها؟".

فتح بوعلام الباب وهو يحمل سيفا كبيرا ودفع المرأة إلى الداخل وهو يصيح: "ادخلي إلى الداخل. أنا سأحسم الأمر معهما". سد الباب بجثته الضخمة ولحيته الكثة وثوبه الفضفاض العريض ورائحته العفنة ونظر إلى نور ومختار بعينين حمراوين غاضبتين صائحا: "أنتما اللذان تريدان فضح أبي في الجرائد والتلفزيون". ولوح بسيفه مهددا: "اذهبا من هنا وإلا ستحدث جريمة".

لم تبال نور بتهديده وسألته مستنكرة: " هل هذه المرأة زوجتك؟".

أجاب بغلظة: "نعم زوجتي. ماذا تريدين منها؟".

سألته مستنكرة: "كيف تتركها تضرب أمك؟".

أجاب بإصرار وتحد: "لا دخل لك في ذلك. أنا أضربها وزوجتي تضربها لنؤدبها".

قال مختار: "هذا اعتداء على الأصول. سأذهب الآن إلى الشرطة وأقدم شكوى بك وسيضعونك في السجن".

ضحك الشاب ضحكة هستيرية وصاح: "تشكوني إلى الحكومة. هاهاهاها، لا تخيفني أنت وحكومتك".

صاحت زهية من الداخل: "لا يا ابنتي. هذا ولدي، ولا أريد أن يسجن. أنا أسامحه".

دفعت المرأة زوجها قليلا وخاطبت نور قائلة: "ما رأيك أن تشكينا إلى البوليس فنذهب إلى السجن وتأخذي أنت هذه العلة لتسكنيها عندك. هل تستطيعين أن تنزعي الوسخ من تحتها كل يوم وكل ليلة وتنظفيها كما أفعل أنا؟ أنا أنظفها كل يوم وأغسل ثيابها القذرة وليس لدي وقت لأغتسل وأبدل ثيابي، وفوق ذلك أطبخ لها وأطعمها. إذا كنت تستطيعين، خذيها أنت وزوجك وسأذهب مع زوجي إلى السجن فهو أفضل لنا من هذه الحياة الشقية".

صاحت زهية من الداخل وهي تبكي: "أرجوك يا ابنتي أن تذهبي ولا تعودي إلى هنا".

أغلق ابنها الباب في وجه نور ومختار بعنف وسمع صوت زوجته تصيح: "أنت السبب في كل هذا يا ملعونة".                      

سألت نور مختار: "وماذا نفعل الآن؟".

-  "ننتظر حتى تعود خالتي زهية إلى مكانها المعتاد ونحاول تسجيل شهادتها".

-  "وهل تظن أنها ستعود؟"

-  "طبعا فابنها بحاجة إلى النقود التي يتصدق بها الناس عليها. أتوقع أن تعود غدا أو بعد غد".

-  "سأمر كل يوم وأراقب المكان حتى تأتي".

 *                      

قالت نور بلهجة غضب واستنكار وهما يخرجان من النفق المظلم: " لم أر مثل هذه الوحشية في حياتي. كيف يسمح الابن لزوجته أن تضرب أمه ويشاركها في الاعتداء عليها؟"

رد مختار بهدوء: "ماذا تنتظرين من امرأة جاهلة وفقيرة تتزوج رجلا شريرا له سوابق وتعمل خادمة في المنازل؟ كيف تربي ولدها وتعلمه؟ الشارع هو الذي يعلمه. والشارع لن يكون رحيما به كأمه. منطق الشارع هو أن الحق والغلبة للأقوى. ومما زاد الطين بلة أن زوجته جاهلة مثله. يكفي أن والديها سمياها "بركاهم" لأنهما لا يريدان الأنثى. هما لا يعرفان الشفقة والعطف لأنهما حرما منهما في الطفولة وفاقد الشيء لا يعطيه، ولم يعلمهما أحد بر الوالدين ومعاملتهما بالحسنى".

علقت نور "لكن التعدي على الأصول زادت نسبته هذه الأيام بحيث وصل إلى قتل أحد الوالدين أو جرحهما وشتمهما".

رد مختار: "الحق معك. زادت نسبة التعدي على الأصول لانحسار القيم، هذه إحدى عواقب الجهل وحرمان المرأة من التعليم. المرأة عماد الأسرة وناقلة القيم فإن كانت جاهلة تنهار القيم".

ردّت نور معترضة: "لكن جدّاتنا كنّ جاهلات ومع ذلك تعلمنا منهنّ قيم الصدق والأمانة والخير والعطف والإحسان".

قال مختار موضحا: "لم تكن جدّاتنا جاهلات بل أميّات رضعن القيم مع الحليب، فلا تنتقل القيم بالتعليم وحده بل بالسلوك والممارسة، وقد كانت مجتمعاتنا العربية والإسلامية متماسكة تسودها قيم التكافل والتضامن في الأسرة والحي والوطن. لكن الأمور تغيرت بسيطرة القيم المادية على حياتنا وتفكك أواصر المجتمع. انظري إلى هؤلاء السكان المعزولين عن سكان المدينة في هذه الدار المهترئة كأنهم مصابون بالجرب، لا أحد يسأل عنهم أو يساعدهم. هم ليسوا ضحايا الجهل وحده ولكنهم ضحايا انحسار قيم التكافل والتضامن أيضا، والجهل ينتج عنه الفقر والبطالة وهما يقودان غالبا إلى جرائم السرقة والمخدرات والقتل. لو كان هؤلاء متعلمين لارتفع مستوى معيشتهم ودخلهم، ولكانوا في وضع غير هذا الوضع. هم ينظرون إلى المجتمع شزرا وينظر الناس إليهم نظرة الشك والريبة والخوف، وتتوسع آفة الجهل لتشمل أولادهم وأحفادهم ووولادهم وحفادهم".

سألت نور باستنكار: "ألا ينص القانون على إجبارية التعليم؟ فلماذا لا يطبق؟"

أجاب مختار: "تواجه القوانين دائما عند التطبيق عادات وتقاليد المجتمع. ومع الأسف ما زالت النظرة الدونية إلى المرأة متأصلة في عقول الكثيرين ممن لا يعترفون بحقها في التعليم ناهيك عن الحقوق الأخرى لذلك لا بد من مواجهتهم بحزم واتخاذ إجراءات رادعة بحق من لا يرسل بناته إلى المدرسة منهم".

أدركت نور أن مختار على حق فخالها حسّان أحد هؤلاء المتزمتين حيث منع بناته من مواصلة تعليمهن بعد الشهادة الابتدائية، ولو كان حيّاً لما سمح لها بدخول الجامعة. 

 *                      

لم تحضر خالتي زهية في اليوم التالي. ولم تجدها نور في اليوم الذي يليه، وسألت صاحب كشك الصحف والسجائر عنها فأخبرها بأنها حضرت اليوم وحدث لها تسمم فنقلت إلى المستشفى.

قالت نور قلقة: "تسمم! ماذا أكلت؟".

-  "أكلت قطعة صغيرة من الشوكولاطة".

-  "من أعطاها الشوكولاطة؟"

-  "رجل غريب يرتدي قميصا وسروالا من الجينز وقبعة زرقاء ويحمل كاميرا. لم يشتر الشوكولاطة من عندي فأنا لا أبيع الشوكولاطة الفاسدة".

-  "هل كانت تعرفه؟"

-  "لا أدري. تحدث معها وأخذ صورا لها ثم أعطاها بعض النقود ولوحا من الشوكولاطة. وحين أكلت قطعة صغيرة منه بدأت تتقيأ ثم أغمي عليها. اتصلت من هنا بالإسعاف فحضروا ونقلوها إلى مستشفى مصطفى".

-  "هل تستطيع التعرف عليه إذا رأيته؟"

-  "لا. أنا لم أر وجهه عن بعد".

-  "ألم تقل شيئا قبل نقلها إلى المستشفى".

-  "لم تقل شيئا مهمّاً. كانت تردد كلمة الجايح لكل من يقترب منها. أظن أنها لم تكن في وعيها".

اتسعت حدقتا نور حين سماع هذا الاسم وقالت له: "شكرا لك".

 *                      

لم تستطع نور زيارتها فالزيارة ممنوعة في المساء ولا سيما في مصلحة الاستعجالات. وفي صباح اليوم التالي حكت لمختار ما حدث فذهبا فورا لزيارتها. وحين وصلا إلى قاعة الاستعجالات علما بأن خالتي زهية فارقت الحياة عند الفجر.

بكت نور عليها بحرقة وقالت وهي تكاد تختنق بدموعها: "أنا لا أبكي عليها لأنها كانت الشاهدة الوحيدة على براءة أبي فحسب، ولكن لأنها عاشت مظلومة أيضا، لم يرض أبوها أن يعلمها القراءة والكتابة فعاشت أمية جاهلة، واضطرت للخدمة في البيوت لتكسب رزقها، وأجبرت على الزواج من رجل سافل لا خلاق له ولا قيم تردعه عن السرقة والنصب. وابتليت بولد عاق تربى بين انحراف أبيه وجهل أمه. وأصيبت أخيرا بالشلل الذي رمى بها إلى التسول".

قال مختار بمرارة: "قتلها المجرم".

علقت نور: "أراد أن يتخلص من الشاهدة الوحيدة التي رأته يسرق. ماذا ننتظر؟ لنذهب الآن ونخبر الشرطة بهذه الجريمة وبأن الفاعل هو عبد الكريم الجايح".

رد مختار:" لا بد أن ننتظر صدور تقرير الطبيب الشرعي الذي يؤكد أن سبب الوفاة هو التسمم بالشوكولاطة. ساعتها ستثبت الجريمة ونخبر الشرطة بكل ما نعرفه".

 *                      

أرادت نور أن تحضر عزاء خالتي زهية فنصحها مختار بعدم الذهاب قائلا: "لا أظن أن ابنها سيقيم عزاء لها وهو الذي اعترف أمامنا بضربها، وحتى لو أراد أن يستقبل المعزين فأين يستقبلهم والدار ضيقة؟ لا المكان ولا الفقر والفاقة تسمح له باستقبال المعزين".

لكن نور أصرت على الذهاب إكراما لذكرى خالتي زهية فقرر أن يذهب معها ليحميها. انطلقا بعد أن حملا بعض القهوة والسكر والفاكهة، ولما وصلا إلى دار الفقيدة طرق مختار الباب فلم يجبه أحد. أعاد الطرق عدة مرات فخرجت من الباب المجاور إحدى الجارات وقالت له: "لا يوجد أحد في الدار، نقل بوعلام وزوجته إلى المستشفى أول أمس".

سألت نور: "وما السبب؟"

-  "الكاشير الفاسد هو السبب".

علق مختار: "حادثة تسمم إذا".

قالت نور وهما يخرجان من النفق المظلم: "ربما أكلت خالتي زهية من الكاشير الفاسد قبل أن تأكل الشوكولاطة وهو سبب تسممها".

وافقها مختار معقبا: "ربما، ما رأيك أن نمر على صاحب كشك الصحف والسجائر، ربما تكون لديه بعض المعلومات التي تفيدنا".

كان النور مضاء في كشك الصحف وصاحبه يرتب بضاعته ويتهيأ لإغلاقه. أعلمه مختار بما حدث لابن خالتي زهية وزوجته وسأله إن كانت قد أكلت شيئا قبل أن تتناول الشوكولاطة.

أجاب صاحب الكشك: "خالتي زهية تحضر معها دائما من الدار سندويشة أو قطعة خبز وتشتري قطعة جبن لتأكلها في وجبة الغداء مع الخبز. وفي العادة أحمل لها علبة عصير أو زجاجة "قازوز" هدية مني. أول أمس حملت لها علبة عصير فأرادت أن تعطيني قطعة من الكاشير. قالت لي: "إنه لذيذ"  فاعتذرت لها بأني لست جائعا".

عقب مختار: "أصبح الأمر واضحا الآن فالكاشير الفاسد هو سبب تسمم خالتي زهية وموتها، ولا صلة لعبد الكريم الجايح بذلك".

قالت نور مستدركة: "لكننا عرفنا الآن أنه في الجزائر ويجب أن نبحث عنه ونعثر عليه".

 

لقراءة الفصل التالي انقر هنا: ماما حكيمة

لقراءة الفصل السابق انقر هنا: حكاية عمار

للاطلاع على فصول الرواية، انقر هنا: العرس المشهود

للاطلاع على الروايات الأخرى للكاتب انقر هنا:  الرّوايـات