الفصل الخامس

من كتاب "العلاقات الإنسانية"

للكاتب: عبد الله خمّار

 

العلاقات العاطفية

1- الصداقة

بناء علاقة الصداقة

1- العلاقات العاطفية:

        هي العلاقات التي تكون العاطفة أساسا لها كالحب والصداقة وحتى لو كانت هناك عوامل أخرى جمعت بين طرفي العلاقة، كالتفاهم والمصلحة، المتبادلة، والتكافؤ في المستوى الاجتماعي والثقافي، فإن العاطفة تبقى هي الأساس، وأما العوامل الأخرى فتلعب دورا في استمرار هذه العلاقة أو انفصامها. فالانجداب في هاتين العلاقتين في البداية عاطفي روحي لا يوجد له تفسير حتى الآن فنحن ننجذب بطبيعتنا إلى بعض الناس ونستثقل بعضهم، دون سبب ظاهر ولعلنا نجد تفسيراً لهذا الانجذاب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تناكر منها اختلف."

صحيح مسلم مجلد 4 جزء 8 ص41

1- الصداقــــة:

قــال إيليا أبو ماضي:

يا رفيقي أنا لـــــو لا         أنت ما وقّعت لحنــا

    كنت في ســــرّي لمّا        كنت وحدي أتغنـــّى

ديوان "إيليا أبو ماضي" ص 744

        إذا كان الحب بين الرجل والمرأة يهدف إلى الزواج وبناء الأسرة، فالصداقة بين أفراد الجنس الواحد أو بين الجنسين هدفها الصداقة في حد ذاتها حيث يأنس الصديقان كل منهما بالآخر، ويبث له همومه، ويستمع إلى شكواه ويقدم له النصح، ويتعاونان على مواجهة مشاكل الحياة، في علاقة نقية صافية صادقة، ليس وراءها غاية مادية، منزهة عن المصالح أو الأغراض. فإن بنيت على زيف مشاعر أحدهما أو كليهما وكان وراءها أغراض أخرى اخفقت وأصيب أحدهما أو الاثنان بخيبة أمل.

        والصداقة علاقة عاطفية كالحب تنشأ في أي مرحلة من مراحل العمر، ولكن معظم الصداقات تتكون أثناء المراهقة، حيث ينجذب أصحاب الطبائع والأفكار المنسجمة المتقاربة بعضهم إلى بعض فيكونون مجموعات تنشأ منها الصداقات التي يدوم بعضها  طيلة العمر "والطيور على أشكالها تقع" وبعض هذه المجموعات تكون مع الأسف عصابات أشرار تؤدي بأصحابها إلى الجريمة والسجن.

        والصداقة ككل العلاقات تصاب بهزات ويسودها التوتر أحيانا والانسجام أحيانا، ولابد أن يتحمل كل من الطرفين، أعباء هذه العلاقة ليكتب لها الدوام وأن يتغاضى كل منهما أحيانا عن أخطاء وهنات الآخر فالكمال لله وليس هناك إنسان كامل وقد قال بشار بن برد:

إذا كنت في كل الأمور معاتبـــا       صديقك لم تلق الذي لا تعاتبُهْ

فعش واحدا أوصل أخاك فإنــّـه     مقارف ذنب مرّة ومجانبُهْ

الأغاني (2) ص 910

شروط الصداقة:

        بالرغم من أن الصداقة هي علاقة عاطفية في منشئها، فالعاطفة وحدها لا تكفي في استمرارها، بل لابد من التكافؤ الثقافي فمن الصعب أن يصادق العالم الجاهل والتقارب في المنزلة الاجتماعية فمن الصعب أن يصادق المليونير الإنسان الفقير المعدم، وفي المبادئ والقيم، فلا يمكن أن يصادق الإنسان الخلوق إنسانا منحلا، أو الإنسان الشريف لصا محترفا. وفي هذا المعنى يقول المثل: "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت" ويقول الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه      فكل قرين بالمقارن يقتدي

        ويضاف إلى ذلك التقارب في الطباع والميول والأهواء، على أن يدرك كلا الصديقين بأن الصداقة أخذ وعطاء وليست أخذا فقط، وليست استغلال طرف لآخر، فمثل "الصديق وقت الضيق" صالح للطرفين ولا يمكن أن يستخدمه أحدهماباستمرارلابتزازالآخرواستنزافه،

ندرة الأصدقاء:

        ولندرة الصديق الذي يرى فيه الإنسان نفسه، وينسجم معه في طباعه وأخلاقه وثقافته وميوله، عد من ظفر في حياته كلها بصديقين أو صديق واحد من المحظوظين ، ليس لأن الناس سيئون ولكن لصعوبة توفر الشروط في الطرفين ولصعوبة القيام بواجبنا نحو أصدقائنا إذا كثروا وقديما قال الشاعر العربي:

من لي بإنســـان إذا خاصمته               وغضبت كان الحلم رد جوابهِ

وإذا ظمئت شربت من أخلاقه                  وإذا طربت سكرت من آدابهِ

وتراه يصغي للحديث بقلبـه                   وبعينــه ولعـله أدرى بهِ

        ويخلط الناس بين الأصدقاء وزملاء العمل، والمعارف، وكلما صعد الإنسان في السلم الاجتماعي ازداد عدد معارفه من أصحاب المصالح والمنتفعين وقل أصدقاؤه، حتى إذا وصل إلى قمة الهرم، وجد نفســـه وحيدا برغم كل من يحيطون به، لذلك قيل: لا أصدقــــاء في القمـــة.

الصداقة في الرواية:

        والصداقة في الرواية من أهم العلاقات التي تبرز مزايا وعيوب الإنسان، وتضحيته أو أنانيته، واتساع أفقه أو ضيقه، وتسامحه أو تعصبه إلى آخر ما هنالك من مزايا وعيوب. وأغلب علاقات الصداقة في الرواية كما في الحياة، تقوم بين شخصين من جنس واحد، أي بين شابين أو فتاتين، ومهمة الروائي سبر أغوار هذه العلاقة، واكتشاف أبعادها، وما يعترضها من صعوبات أو أزمات بسبب خيبات الأمل وتضارب المواقف، واختلاف الثقافة والطباع والقيم، والمصالح أحيانا، فإن صمدت لكل هذا فهي علاقة إيجابية ظلت فيها الأسس الأربعة من احترام وثقة ومحبة متبادلة، وتعاون في طريق الحياة، سالمة لم تتزعزع، وإن اهتزت هذه الأسس أو بعضها أصبحت العلاقة سلبية.

بناء علاقة الصداقة:

        ويبني الكاتب علاقة الصداقة على فكرة يريد إيصالها إلى القارئ، ثم يحدد مقومات الصديقين الجسمية والنفسية والاجتماعية، وغاية كل منهما، ثم يبين لنا بداية العلاقة والعوامل الإيجابية والسلبية فيها، ويجعلنا نتابع خط سيرها وتطورها وما طرأ عليها من تغير خلال الرواية، حيث نراها في آخر الرواية، وقد صمدت أو انهارت، نتيجة لتصرف أحد الطرفين أو كليهما. وقد لاتتاح لعلاقة الصداقة أن تنمو وتزدهر، أو تتطور وتتغير نتيجة لعوامل خارجية قاهرة، كما سنرى في هذا النموذج من علاقة الصداقة بين "الشاعر" و"عمار بن ياسر" من رواية "الشمعة والدهاليز" للروائي الطاهر وطار.

 

لقراءة الجزء التالي من هذا الفصل انقر هنا: بناء علاقة الصداقة: الصداقة الممكنة(الطاهر وطار)

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الرابع: الروابط الأسرية

 للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: العلاقات الإنسانية

للاطلاع على الكتب الأخرى، انقر هنا:  كتب أدبية وتربوية